لَا يَقُولُونَ بِإِهْدَارِ الْقَوَدِ عَمَّنْ قَتَلَ فِي الْجَمَاعَةِ بَيْنَ مَوْتِ إمَامٍ وَوِلَايَةِ آخَرَ، فَقَدْ خَالَفُوا عُثْمَانَ وَمَنْ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ.
وَأَيْضًا - فَإِنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ عُثْمَانَ جَعَلَهَا دِيَةً - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ دِيَةً، وَالْوَاجِبُ أَنْ نَحْكُمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَمَا نَحْكُمُ فِي مَحَلَّةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي كُلِّ مَكَان، وَكُلَّ زَمَانٍ، وَعَلَى كُلِّ لِسَانٍ، وَمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيجَابِ الْقَوَدِ، وَأَخْذِ الْحُدُودِ، وَضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانِ، وَسَائِرِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مَكَانًا دُونَ مَكَان، وَلَا زَمَانًا دُونَ زَمَانٍ، وَلَا حَالًا دُونَ حَالٍ، وَلَا أُمَّةً دُونَ أُمَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة إذَا كَانَ فِي الْبَاغِينَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ امْرَأَةٌ فَقَاتَلَا]
٢١٦٤ - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَاغِينَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ امْرَأَةٌ فَقَاتَلَا دُوفِعَا، فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِمَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَهُمَا هَدَرٌ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَهُ مُرِيدٌ بِغَيْرِ حَقٍّ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الضُّرَّ كَيْفَ أَمْكَنَهُ - وَلَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا قَوَدَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ سَأَلُوا النَّظْرَةَ حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أُمُورِهِمْ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَكِيدَةً، فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْظِرَهُمْ مُدَّةً يُمْكِنُ فِي مِثْلِهَا النَّظَرُ فَقَطْ - وَهَذَا مِقْدَارُ الدُّعَاءِ، وَبَيَانُ الْحُجَّةِ فَقَطْ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] فَلَمْ يُفْسِحْ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْكِ قِتَالِهِمْ إلَّا مُدَّةَ الْإِصْلَاحِ، فَمَنْ أَبَى قُوتِلَ.
وَأَيْضًا - فَإِنَّ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ إنْفَاذُ الْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ وَتَأْمِينُ النَّاسِ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَأَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِالِافْتِرَاقِ إلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا سَأَلْنَاهُ: مَاذَا يَقُولُ، إنْ اسْتَنْظَرُوهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَهَكَذَا نَزِيدُهُ سَاعَةً سَاعَةً، وَيَوْمًا يَوْمًا حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ أَعْمَارِهِمْ، وَفِي هَذَا إهْلَاكُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّحَفُّظِ عَنْهُمْ، كَمَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِيهِ، فَإِنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ تَحْدِيدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute