وَلَا سَارِقًا مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ مِنْ غَيْرِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا أَغْفَلَهُ وَلَا أَهْمَلَهُ
وَالْعَمَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ شَيْءٍ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْخُمُسِ، أَوْ الْمَغْنَمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مَحْدُودًا مَعْرُوفَ الْمِقْدَارِ كَالْغَنِيمَةِ، أَوْ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ بِبَيْعِ، أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ، نُظِرَ: فَإِنْ أَخَذَ زَائِدًا عَلَى نَصِيبِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ الْقَطْعُ قُطِعَ، وَلَا بُدَّ، فَإِنْ سَرَقَ أَقَلَّ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنِعَ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ أَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ إلَّا بِمَا فَعَلَ وَلَا قَدَرَ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ خَالِصًا فَلَا يُقْطَعُ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الزَّائِدَ عَلَى حَقِّهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى أَخْذِ مَا أُخِذَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَخْلِيصِ مِقْدَارِ حَقِّهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ]
٢٢٦٩ - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ؟ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ بُرْنُسًا مِنْ الْحَمَّامِ فَرُفِعَ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَطْعًا.
وَبِهِ - يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ
وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَ هُنَالِكَ حَافِظٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ، وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا قَوْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: ٣٨] وَهَذَا سَارِقٌ فَالْقَطْعُ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَخْصِيصَ ذَلِكَ لَمَا أَغْفَلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute