للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْزَمْهُ، فَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ مَشَى إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا فِيهَا، فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَدِينَةِ، أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَجْزَأَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي ذَكَرَ لَا فِيمَا سِوَاهُ، فَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ، لَكِنْ يُصَلِّي حَيْثُ هُوَ، فَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَجْزَأَهُ الرُّكُوبُ إلَيْهِمَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَخِلَافُ السُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِيمَنْ نَذَرَ طَاعَةً، وَفِي أَنَّ صَلَاةً فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنَّ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ عُمُومًا لَا يَخُصُّ مِنْهُ نَافِلَةً مِنْ فَرْضٍ، وَهَذِهِ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» فَقَالُوا: لَا يُطِعْهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَفَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَجَاهَدَ فَإِنَّهُ يُجْزِيه مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ خَيْرًا مِمَّا نَذَرَ، وَإِنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ، أَنَّهُ يُجْزِيه - وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ لَائِحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ وُجُوبَ الْمَشْيِ عَنْ مَنْ نَذَرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ إلَى مَكَّةَ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ تَخْصِيصُهُ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَعْضِ الْمَشَاعِرِ، كَمُزْدَلِفَةَ، أَوْ عَرَفَةَ، فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ، وَأَوْجَبَهُ إلَى مَكَّةَ، وَإِلَى الْكَعْبَةِ، وَإِلَى الْحَرَمِ؛ وَهَذَا كُلُّهُ تَحَكُّمٌ بِلَا بُرْهَانٍ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا يُنْتَقَضُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.

[نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِ فُلَانٍ إنْ مَلَكَهُ]

وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِ فُلَانٍ إنْ مَلَكَهُ، أَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عِتْقَ عَبْدِهِ إنْ بَاعَهُ، فَإِنَّ مَنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، فَإِنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ النَّذْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ بِعْته، أَوْ قَالَ: ثَوْبِي هَذَا صَدَقَةٌ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ فَقَدْ سَقَطَ مُلْكُهُ عَنْهُ، وَإِذَا سَقَطَ مُلْكُهُ عَنْهُ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِي عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ هُوَ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ، وَصَدَقَتُهُ كَذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>