مُسْلِمٍ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ بِالْيَقِينِ لَا بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ، فَلَا يَحِلُّ فَسْخُ عَقْدٍ صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ، وَلَا نَصَّ فِي جَوَازِ فَسْخِهِ مُطَارَفَةً بِتَرَاضِيهِمَا، إلَّا فِيمَا جَاءَ نَصٌّ بِفَسْخِهِ، كَالشُّفْعَةِ، وَمَا فِيهِ الْخِيَارُ بِالنَّصِّ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَالِك، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَنْ أَجَازَ الْفَسْخَ نَصٌّ أَصْلًا فَقَدْ صَحَّ: أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ بِتَرَاضِيهِمَا، يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ، وَيَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ فِي الْبُيُوعِ.
وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخُ بَيْعٍ لَزِمَهُ أَنْ لَا يُجِيزَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إذْ لَمْ تَكُنْ بَيْعًا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
وَأَمَّا مَنْ رَآهَا بَيْعًا فَإِنَّهُ يُجِيزُهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعِ أَوَّلًا، وَبِأَقَلَّ، وَبِغَيْرِ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَحَالًّا، وَفِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى أَجَلٍ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَجَلُ، وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة بَيْع دِين يَكُون لِإِنْسَانِ عَلَى غَيْره]
١٥١١ - مَسْأَلَةٌ:
وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ دَيْنٍ يَكُونُ لِإِنْسَانٍ عَلَى غَيْرِهِ، لَا بِنَقْدٍ، وَلَا بِدَيْنٍ، لَا بِعَيْنٍ، وَلَا بِعَرَضٍ، كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ مُقِرًّا بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ الْحَلَالَ: أَنْ يَبْتَاعَ فِي ذِمَّتِهِ مِمَّنْ شَاءَ مَا شَاءَ، مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ، ثُمَّ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَيُّرِ، ثُمَّ يُحِيلُهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ الدَّيْنُ، فَهَذَا حَسَنٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ، وَمَا لَا يَدْرِي عَيْنَهُ، وَهَذَا هُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَمَّنْ اشْتَرَى صَكًّا فِيهِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ بِثَوْبٍ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ، قَالَ وَكِيعٌ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: هُوَ غَرَرٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مُقِرًّا بِمَا عَلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ بِعَرَضٍ نَقْدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّهُ شِرَاءُ خُصُومَةٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَقَرَّ الْيَوْمَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُنْكِرَ غَدًا، فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الْبَيِّنَةِ بِإِقْرَارِهِ، فَيَحْصُلُ عَلَى شِرَاءِ خُصُومَةٍ وَلَا فَرْقَ.