{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١] فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا حَتَّى يُدْعَى إلَى الْبِنَاءِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْحُكْمُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ صَحِيحٍ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ جَاءَتْ بِخِلَافِهِ فَهُوَ سَاقِطٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأ وَقَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا رَضِيَتْهُ]
١٨٥٥ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَبِ الْبِكْرِ - صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً - أَوْ الثَّيِّبِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْقَرَابَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ: حُكْمٌ فِي شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِ الِابْنَةِ، أَوْ الْقَرِيبَةِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنْ يَهَبَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، لَا لِلزَّوْجِ - طَلَّقَ أَوْ أَمْسَكَ - وَلَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا.
وَلَهَا أَنْ تَهَبَ صَدَاقَهَا أَوْ بَعْضَهُ لِمَنْ شَاءَتْ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَبٍ وَلَا لِزَوْجٍ فِي ذَلِكَ - هَذَا إذْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً بَقِيَ لَهَا بَعْدَهُ غِنًى وَإِلَّا فَلَا.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا - وَقَدْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا رَضِيَتْهُ - فَلَهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، إلَّا أَنْ تَعْفُوَ هِيَ فَلَا تَأْخُذُ مِنْ زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْهُ وَتَهَبُ لَهُ النِّصْفَ الْوَاجِبَ لَهَا، أَوْ يَعْفُوَ الزَّوْجُ فَيُعْطِيهَا الْجَمِيعَ، فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى.
وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ كَمَا قُلْنَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْت عِيسَى بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ: سَمِعْت شُرَيْحًا يَقُولُ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] ؟ فَقُلْت: هُوَ الْوَلِيُّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ هُوَ الزَّوْجُ.
مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الزَّوْجُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ: أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا فَأَكْمَلَ لَهَا الصَّدَاقَ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: