قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَنْ قَالُوا: هِيَ مُفَارِقَةٌ لِزَوْجِهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا.
قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ شَغَبٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ بَاطِلٌ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا أَوْجَبْتُمْ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُلَاعِنَةِ، وَالْمُخْتَلِعَةِ، وَالْمُطَلَّقَةِ - عِنْدَكُمْ - طَلَاقًا بَائِنًا، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ عِنْدَكُمْ مُفَارِقَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ.
وَأَيْضًا فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا " مُفَارِقَةً لِزَوْجِهَا " بِتَمَامِ عِدَّتِهَا، إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَ الْعِدَّةِ.
وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ مَا جَمَعُوا بَيْنَهُ فَجَعَلَ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَعِدَّةَ الْمَبْتُوتَةِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ -: فَلَاحَ فَسَادُ مَنْ قَاسَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهَذَا مِمَّا نَقَضَ فِيهِ مَالِكٌ تَعْظِيمَهُ مُخَالَفَةَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ.
[مَسْأَلَةٌ أَغْفَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ الْإِحْدَادَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ]
١٩٩٩ - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَغْفَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ الْإِحْدَادَ الْمَذْكُورَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جَهْلٍ فَلَا حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهِيَ عَاصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تُعِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْإِحْدَادِ قَدْ مَضَى، وَلَا يَجُوزُ عَمَلُ شَيْءٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَفِي غَيْرِ وَقْتِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَضْعَ حَمْلِهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْإِحْدَادِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَأَقَلَّ - وَلَا نُوجِبُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ كُلَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَقَطْ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ بِأَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ إذْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا إثْرَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ وَقَدْ تَشَوَّفَتْ لِلْخُطَّابِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا.
فَصَحَّ أَنَّهُ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ حَمْلِهَا قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا بِإِيجَابِهِ عَلَيْهَا - إنْ تَمَادَى الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فَإِنْ وُجِدَ فَالْقَوْلُ بِهِ وَاجِبٌ، وَإِلَّا فَلَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا إذْ تَدَبَّرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ طُرُقِ خَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهَا تَجْتَنِبُ