للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا حَدِيثُ «تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا» فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا ضَعِيفٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ إلَّا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَلْكُ شُئُونِ رَأْسِهَا فَقَطْ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ، فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا مَا يُزَالُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ دُونَ مَاءٍ.

وَمِنْهَا مَا يُزَالُ بِصَبِّ الْمَاءِ فَقَطْ دُونَ عَرْكٍ.

وَمِنْهَا مَا لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِزَالَةِ عَيْنِهِ فَمَا الَّذِي جَعَلَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَنْ يُقَاسَ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ؟ فَكَيْفَ وَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا، وَلَيْسَ فِي جِلْدِ الْجُنُبِ عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ إذَا زَالَ بِصَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى عَرْكٍ وَلَا دَلْكٍ، بَلْ يُجْزِئُ الصَّبُّ، فَهَلَّا قَاسُوا غُسْلَ الْجَنَابَةِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ؟ إذْ كِلَاهُمَا لَا عَيْنَ هُنَاكَ تُزَالُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ قَوْله تَعَالَى: (فَاطَّهَّرُوا) دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَتَخْلِيطٌ لَا يُعْقَلُ، وَلَا نَدْرِي فِي أَيِّ شَرِيعَةٍ وَجَدُوا هَذَا، أَوْ فِي أَيِّ لُغَةٍ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦] وَهُوَ مَسْحٌ خَفِيفٌ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَوَضَحَ أَنَّ التَّدَلُّكَ لَا مَعْنَى لَهُ فِي الْغُسْلِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْقَوْلِ بِذَلِكَ.

[مَسْأَلَةٌ لَا مَعْنًى لِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ]

١٩٠ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا مَعْنًى لِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد.

وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَغَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً لَا يُمْكِنُ مَعَهُ بُلُوغُ الْمَاءِ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ، وَلَا يَتِمُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>