وَقَدْ قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً ذَاتَ زَوْجٍ فَبَيْعُهَا طَلَاقُهَا - وَلَا نَقُولُ بِهَذَا، لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
[مَسْأَلَةٌ الْأَبَوَانِ الْكَافِرَانِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدهمَا]
. ٩٤٥ - مَسْأَلَةٌ:
وَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَسْلَمَ؟ فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَوْلَادِهِمَا مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا - الْأُمُّ أَسْلَمَتْ أَوْ الْأَبُ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمْ كُلِّهِمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ إلَّا بِإِسْلَامِ الْأَبِ، لَا بِإِسْلَامِ الْأُمِّ.
وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ: لَا يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ إلَّا بِإِسْلَامِ الْأُمِّ، وَأَمَّا بِإِسْلَامِ الْأَبِ فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ لَا لِلْأَبِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ جَعَلَهُمْ بِإِسْلَامِ الْأَبِ خَاصَّةً مُسْلِمِينَ حُجَّةً أَصْلًا، وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي ابْنِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ زِنَا اسْتِكْرَاهٍ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِهَا وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِمْ، وَوَافَقُونَا أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ الْأَبَوَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَلَهُمَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ قَدْ بَلَغُوا مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ - وَبِهِ نَقُولُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] وَالْبَالِغُ مُخَاطَبٌ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْكُفْرِ أَوْ الذِّمَّةِ، وَلَيْسَ غَيْرُ الْبَالِغِ مُخَاطَبًا كَمَا قَدَّمْنَا قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَزَوَّرًا قَدْ قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ فَهُوَ عَلَى دِينِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَالِغًا، وَمَا لَمْ يَكُنْ بَالِغًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغُ لَا مَنْ بَلَغَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ قَاسَ الدِّينَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠] .
فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُ دِينِ الْإِسْلَامِ لِأَحَدٍ وَلَا يُتْرَكُ أَحَدٌ يُبَدِّلُهُ إلَّا مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِهِ عَلَى تَبْدِيلِهِ فَقَطْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute