للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قُلْنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أُخْرَى، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ هَدْيٍ؟ قُلْنَا: إنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِإِيجَابِ الْهَدْيِ، فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِإِسْقَاطِ الْهَدْيِ وَلَا لِإِيجَابِهِ، فَوَجَبَ إضَافَةُ مَا زَادَهُ الْقُرْآنُ إلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِأَنَّ اللَّازِمَ لِلنَّاسِ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَبِهَذَا تَتَأَلَّفُ الْأَخْبَارُ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ مَا رُوِيَ مِنْ هَذَا؟ قُلْنَا: الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا رَوَى لَا فِي رَأْيِهِ وَقَدْ يَنْسَى، أَوْ يَتَأَوَّلُ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّوْهِينَ بِمَا رَوَى لِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ مَا رَوَى - أَوْلَى مِنْ تَوْهِينِ مَا رَوَى بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ خِلَافِهِ لِمَا رَوَى، لِأَنَّ الطَّاعَةَ عَلَيْنَا إنَّمَا هِيَ لِمَا رَوَى لَا لِمَا رَأَى بِرَأْيِهِ.

وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ مَا رُوِيَ لَكَانَ الْحَجَّاجُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، قَدْ رَوَيَاهُ وَلَمْ يُخَالِفَاهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْحَرُ هَدْيَ الْإِحْصَارِ إلَّا فِي الْحَرَمِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ نَاجِيَةَ بْنَ كَعْبٍ نَهَضَ بِالْهَدْيِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي شِعَابٍ وَأَوْدِيَةٍ حَتَّى نَحَرَهُ فِي الْحَرَمِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ عَمَلًا عَمِلَهُ، وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَرُوِّينَا خَبَرًا فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْبُدْنِ لِلْهَدْيِ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو حَاضِرٍ الْأَزْدِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ]

٨٧٤ - مَسْأَلَةٌ:

وَمَنْ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ رَأْسِهِ - وَهُوَ مُحْرِمٌ لِمَرَضٍ، أَوْ صُدَاعٍ، أَوْ لِقَمْلٍ، أَوْ لِجُرْحٍ بِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْذِيهِ - فَلْيَحْلِقْهُ، وَعَلَيْهِ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَيُّهَا شَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهَا.

إمَّا أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِمَّا أَنْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُتَغَايِرِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِنْهُمْ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ وَلَا بُدَّ، وَإِمَّا أَنْ يُهْدِيَ شَاةً يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ يَصُومَ، أَوْ يُطْعِمَ، أَوْ يَنْسَكَ الشَّاةَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي حَلَقَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ.

فَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، أَوْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ دُونَ بَعْضٍ عَامِدًا عَالِمًا أَنَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>