للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامٍ بَيْنَهُمَا - يَا ظَالِمٌ، يَا غَاصِبٌ، أَنَّهُ مُسِيءٌ - فَمِنْ قَائِلٍ: عَلَيْهِ الْأَدَبُ، وَمِنْ قَائِلٍ: لِآخَرَ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ شَكَا بِآخَرَ فَقَالَ: ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مُسِيئًا بِذَلِكَ فَصَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّكْوَى وَبَيْنَ الِاعْتِدَاءِ بِالسَّبِّ وَالْقَذْفِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة فِيمَنْ قَذَفَ وَهُوَ سَكْرَانُ]

٢٢٤٦ - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَذَفَ وَهُوَ سَكْرَانُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ ذَكَرْنَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ حُكْمَ السَّكْرَانِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِشَيْءٍ أَصْلًا إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ فَقَطْ، إلَّا أَنَّنَا نَذْكُرُ عُمْدَةَ حُجَّتِنَا فِي ذَلِكَ بِاخْتِصَارٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] فَشَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ شَاهِدٍ: أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَإِذْ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ نَطَقَ بِلَفْظٍ لَا يَدْرِي مَعْنَاهُ - وَكَانَ مَعْنَاهُ كُفْرًا، أَوْ قَذْفًا، أَوْ طَلَاقًا - فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ السَّكْرَانُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاخَذَ بِشَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ، قَذْفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ قَذْفٍ. فَإِنْ قَالُوا: كَانَ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَالْأُمَّةُ كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِسَكْرَانَ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقُولُ. وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فِي أَنَّ حَالَ السَّكْرَانِ فِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ بَاقٍ كَمَا كَانَ لَمْ يُحِلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ صِفَتِهِ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا لَا فَائِدَةَ لَكُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - أَنَّ هَذَا تَعَلُّلٌ لَا يُوجِبُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>