يَجُوزُ لَهُمَا تَصْحِيحُهُ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِهِ إلَّا بِابْتِدَاءِ عَقْدِ رِضَاهُمَا مَعًا، وَإِلَّا فَلَا - وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] وَلَا يُمْكِنُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَضَرُورَةِ الْحِسِّ رِضًا بِمَا لَا يَعْرِفُ وَلَا يَكُونُ الرِّضَا إلَّا بِمَعْلُومِ الْمَاهِيَّةِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إنْ قَالَ: رَضِيت: أَنَّهُ قَدْ لَا يَرْضَى إذَا عَلِمَ مَا هُوَ - وَإِنْ كَانَ دَيِّنًا جِدًّا - وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَرَاضٍ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
وَأَيْضًا: فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا ابْتَاعَ وَلَا مَا بَاعَ، وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَهَذَا أَعْظَمُ الْغَرَرِ - وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكٍ إجَازَةَ هَذَا الْبَيْعِ - وَهُوَ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إجَازَتُهُ هَذَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَمَنْعَهُ مِنْ بَيْعِ صُبْرَةٍ مَرْئِيَّةٍ مُحَاطٍ بِهَا عَلِمَ الْبَائِعُ مَكِيلَتَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي مَكِيلَتَهَا وَهَذَا عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ شَيْءٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي]
١٤٦٤ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي وَلَا بِأَقَلَّ مِمَّا يُسَاوِيَ إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي السَّلَامَةَ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا بِمِقْدَارِ الْغَبْنِ فِي ذَلِكَ وَرِضَاهُمَا بِهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا السَّلَامَةَ وَوَقَعَ الْبَيْعُ كَمَا ذَكَرنَا، وَلَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ الْغَبْنِ، أَوْ عَلِمَهُ، غَيْرُ الْمَغْبُونِ مِنْهُمَا وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَغْبُونُ: فَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ، مَرْدُودٌ، مَفْسُوخٌ، أَبَدًا، مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَلَيْسَ لَهُمَا إجَازَتُهُ إلَّا بِابْتِدَاءِ عَقْدٍ.
فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا السَّلَامَةَ وَلَا أَحَدُهُمَا، ثُمَّ وُجِدَ غَبْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، فَلِلْمَغْبُونِ إنْفَاذُ الْبَيْعِ أَوْ رَدُّهُ، فَإِنْ فَاتَ الشَّيْءُ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمَغْبُونُ مِنْهُمَا بِقَدْرِ الْغَبْنِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ رِضَاهُمَا بِالْغَبْنِ أَصْلًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ.
وَالشَّافِعِيُّ: لَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي بِالْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ - كَثُرَ أَوْ قَلَّ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فِيهِ الْغَبْنُ مِقْدَارَ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute