وَقَالَ مَالِكٌ: مَا تَلِفَ بِيَدِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا.
قَالَ: فَلَوْ أَكَلَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ، أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: ضَمِنَتْ لَهُ نِصْفَ مَا أَخَذَتْ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، أَوْ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ ابْتَاعَتْ بِذَلِكَ شُورَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفُ الشَّيْءِ الَّذِي اشْتَرَتْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَكَلَتْ وَوَهَبَتْ وَأَعْتَقَتْ، وَبَيْنَ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ، وَلَا ظَالِمَةٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا.
ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَعْتَقَتْ وَأَكَلَتْ وَوَهَبَتْ، وَبَيْنَ مَا اشْتَرَتْ بِهِ شُورَةً - وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ بُرْهَانٌ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ.
وَادَّعَوْا فِي ذَلِكَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَمَلَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَيُعِيذُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ لَا يَأْمُرُوا بِالْحَقِّ عُمَّالَهُمْ بِالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَسَائِرِ الْبِلَادِ - وَهَذَا بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِمَّنْ ادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ.
فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ فَعَلُوا فَبَدَّلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ كَانَتْ دَعْوَى فَاسِدَةً، وَلَمْ يَكُنْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَوْلَى بِالتَّبْدِيلِ مِنْ تَابِعِي الْمَدِينَةِ.
وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَصَدَتْ بِهِ الْخَيْرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة هَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْخُل عَلَى الزَّوْجَة قَبْل أَنْ يرسل إلَيْهَا صَدَاقهَا]
١٨٤٨ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ فَسَمَّى صَدَاقًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ: فَلَهُ الدُّخُولُ بِهَا - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - وَيُقْضَى لَهَا بِمَا سَمَّى لَهَا - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - وَلَا يُمْنَعْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا، لَكِنْ يُقْضَى لَهُ عَاجِلًا بِالدُّخُولِ، وَيُقْضَى لَهَا عَلَيْهِ حَسْبَمَا يُوجَدُ عِنْدَهُ بِالصَّدَاقِ.
فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ - وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا نَكَحَ الْمَرْأَةَ وَسَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا فَلِيُلْقِ إلَيْهَا رِدَاءَهُ، أَوْ خَاتَمًا إنْ كَانَ مَعَهُ.