للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا هَذَا بِعَيْنِهِ فِي الْمَجْنُونِ: وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَلَعَلَّهُ مُتَحَامِقٌ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ هَذَا، بَلْ تُسْقِطُونَ عَنْهُ الْأَحْكَامَ وَالْحُدُودَ، فَالْحَالُ الَّتِي تُدْرَى فِي الْمَجْنُونِ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، بِمِثْلِهَا يُدْرَى فِي السَّكْرَانِ أَنَّهُ سَكْرَانُ وَلَا فَرْقَ - وَهِيَ: إنَّهُ إذَا بَلَغَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ التَّخْلِيطِ فِي كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ حَيْثُ يُوقَنُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ مِنْ نَفْسِهِ الْمُمَيِّزَ الصَّاحِي حَيَاءً مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ - فَهَذَا بِلَا شَكٍّ أَحْمَقُ، وَسَكْرَانُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] فَمَنْ خَلَطَ فِي كَلَامِهِ فَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة فِي الْأَبُ يَقْذِفُ ابْنَهُ أَوْ أُمَّ عَبِيدِهِ أَوْ أُمَّ ابْنِهِ]

٢٢٤٧ - مَسْأَلَةٌ: الْأَبُ يَقْذِفُ ابْنَهُ، أَوْ أُمَّ عَبِيدِهِ، أَوْ أُمَّ ابْنِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ ابْنَهُ - وَأَوْجَبَ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ: مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ فِي ذَلِكَ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو يَعْقُوبِ الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا افْتَرَى الْأَبُ عَلَى الِابْنِ فَلَا يُحَدُّ.

وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى الْأَبِ لِابْنِهِ حَدٌّ. وَبِهِ - يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْأَبِ يَقْذِفُ ابْنَهُ: إنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ الدَّرْءَ عَنْهُ - وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَزْنِي - وَهِيَ مُحْصَنَةٌ - وَتَقْتُلُ وَلَدَهَا: إنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهَا الْحَدُّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ - فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْأَبُ لِابْنِهِ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا - فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٨٣ - ٢٤] قَالُوا: وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ، وَلَا مِنْ الْبِرِّ: ضَرْبُهُمَا بِالسِّيَاطِ، وَلَا هَذَا مِنْ خَفْضِ الْجَنَاحِ لَهُمَا مِنْ الرَّحْمَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>