وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَ مَنْ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَامِنًا. وَكُلُّ ذَلِكَ جَوْرٌ وَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ كُلُّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَلِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِيجَابِهِ، فَهُوَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ احْتَجَّ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يُسَلِّفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِيهِ فَقَالَ: ائْتِنِي بِالْكَفِيلِ؟ فَقَالَ: كَفَى بِاَللَّهِ كَفِيلًا، فَقَالَ: صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إلَى الْبَحْرِ - فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِيهِ: فَرَمَى بِهَا إلَى الْبَحْرِ» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْخَبَرَ مُنْقَطِعًا غَيْرَ مُتَّصِلٍ - فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ شَرِيعَةٌ غَيْرُ شَرِيعَتِنَا وَلَا يَلْزَمُنَا غَيْرُ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨] وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ أَلْبَتَّةَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْذِفَ مَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَعَلَّهُ يَبْلُغُ إلَى غَرِيمِهِ، بَلْ يَقْضُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا بِالسَّفَهِ وَيَحْجُرُونَ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّبُونَهُ فَكَيْفَ يَسْتَسْهِلُ ذُو حَيَاءٍ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
[مَسْأَلَةٌ ضَمَانُ الْوَجْهِ]
١٢٣٧ - مَسْأَلَةٌ:
وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ الْوَجْهِ أَصْلًا، لَا فِي مَالٍ وَلَا فِي حَدٍّ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ إنَّنَا نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ تَكَفَّلَ بِالْوَجْهِ فَقَطْ فَغَابَ الْمَكْفُولُ مَاذَا تَصْنَعُونَ بِالضَّامِنِ لِوَجْهِهِ؟ أَتُلْزِمُونَهُ غَرَامَةَ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ - فَهَذَا جَوْرٌ وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute