للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَعْضُهُمْ أَجَازَ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الصَّدَقَةِ.

وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ، وَيَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَعَلَى آلِهِ، وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِمَا الْعَطَايَا وَلَا الْهِبَاتُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة الْهِبَة بِشَرْطِ]

١٦٢٨ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ بِشَرْطٍ أَصْلًا، كَمَنْ وَهَبَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا الْمَوْهُوبُ، أَوْ عَلَى أَنْ يُوَلِّدَهَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ -: فَالْهِبَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَكُلُّ مَا لَا يُعْقَدُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا يَصِحُّ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ عَقْدٌ بِهِ.

[مَسْأَلَة الْهِبَة بِشَرْطِ الثَّوَاب]

١٦٢٩ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ هِبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهَا الثَّوَابُ أَصْلًا، وَهِيَ فَاسِدَةٌ مَرْدُودَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ، بَلْ فِي الْقُرْآنِ الْمَنْعُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورٍ مِنْ السَّلَفِ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ نا يَحْيَى الْجَبَّانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم: ٣٩] قَالَ: هُوَ هَدِيَّةُ الرَّجُلِ، أَوْ هِبَةُ الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ.

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا إذَا أَرَادَهُ بِقَلْبِهِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَهُ فَعَيْنُ الْبَاطِلِ وَالْإِثْمِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْعَوْفِيُّ نا أَبِي سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] قَالَ: لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَهُ طَاوُسٍ أَيْضًا - وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَمْنُنْ عَطِيَّتَك، وَلَا عَمَلَك، وَلَا تَسْتَكْثِرْ.

وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ هَارُونَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] قَالَ: لَا تُعْطِ مَالًا مُصَانَعَةً رَجَاءَ أَفْضَلَ مِنْهُ مِنْ الثَّوَابِ مِنْ الدُّنْيَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>