فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْمُخَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصَلِّ، فَقَالَ أَحْسَنْتَ. وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَجْنَبْتُ فَتَيَمَّمْتُ فَصَلَّيْتُ، قَالَ أَحْسَنْتَ» قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَالْمُخَارِقُ ثِقَةٌ، تَابِعٌ، وَطَارِقٌ صَاحِبٌ، صَحِيحُ الصُّحْبَةِ مَشْهُورٌ وَالْخَبَرُ بِهِ نَقُولُ، وَهَذَا الَّذِي أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ، فَأَصَابَ إذْ لَمْ يُصَلِّ بِمَا لَا يَدْرِي، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الشَّرَائِعُ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] وَاَلَّذِي تَيَمَّمَ عَلِمَ فَرْضَ التَّيَمُّمِ فَفَعَلَهُ، لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ فَرْضَ الْمُجْنِبِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَيُخْطِئُ مَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ لَيْسَ فَرْضَ الْمُجْنِبِ الْمَذْكُورِ فَيُخْطِئُ مَنْ فَعَلَهُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ فَرْضُهُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالْآخَرَ عَلِمَهُ، فَأَتَى بِهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» وَكُلُّ مَأْمُورٍ بِالطَّهُورِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَالتُّرَابُ بِنَصِّ عُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ صِفَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ وَلِلْوُضُوءِ صِفَةُ عَمَلٍ وَاحِدٍ]
٢٥٠ - مَسْأَلَةٌ:
وَصِفَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ وَلِلْوُضُوءِ صِفَةُ عَمَلٍ وَاحِدٍ، إنَّمَا يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْوَجْهَ الَّذِي تَيَمَّمَ لَهُ، مِنْ طَهَارَةٍ لِلصَّلَاةِ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ إيلَاجٍ فِي الْفَرْجِ أَوْ طَهَارَةٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ مِنْ نِفَاسٍ أَوْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهِ مُتَّصِلًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِمَا وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَلَا الْكَفَّيْنِ وَلَا يَمْسَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّيَمُّمِ ذِرَاعَيْهِ وَلَا رَأْسَهُ وَلَا رِجْلَيْهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ جِسْمِهِ. أَمَّا النِّيَّةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَهَا قَبْلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ فِيهِمَا إلَّا بِنِيَّةٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: كُلُّ ذَلِكَ يُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ، وَأَمَّا كَوْنُ عَمَلِ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِلنِّفَاسِ وَلِسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا - كَصِفَتِهِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَإِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ وَبِالتَّيَمُّمِ لَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute