فَصَحَّ أَنَّ الْحَرَمَ مَسْجِدٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ كُلُّهُ مَسْجِدٌ حَرَامٌ فَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِلَا شَكٍّ، وَالْحَاضِرُونَ هُمْ الْقَاطِنُونَ غَيْرُ الْخَارِجِينَ؛ فَصَحَّ أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ قَاطِنِينَ الْحَرَمَ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ مَنْ سَكَنَ خَارِجًا مِنْهُ بِقُرْبِهِ هُمْ حَاضِرُوهُ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ: وَبُرْهَانُ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّنَا نَسْأَلُكُمْ عَنْ تَحْدِيدِ ذَلِكَ الْقُرْبِ الَّذِي يَكُونُ مَنْ هُوَ فِيهِ حَاضِرًا مِمَّا يَكُونُ مَنْ هُوَ فِيهِ غَيْرَ حَاضِرٍ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَى تَفْصِيلِهِ إلَّا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا خَطٌّ بَعْدَ خَطٍّ إلَى مُنْقَطَعِهَا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ: «سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّهُ الْحَرَمُ كُلُّهُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُبْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا بَنَاهَا إبْرَاهِيمُ، وَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة: ١٢٧] وَلَمْ يُبْنَ الْمَسْجِدُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَوْ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ أَبَدًا حَتَّى يَعُمَّ بِهِ جَمِيعَ الْحَرَمِ يُسَمَّى مَسْجِدًا حَرَامًا، وَأَنَّهُ لَوْ زِيدَ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ لَمْ يُسَمَّ مَا زِيدَ فِيهِ مَسْجِدًا حَرَامًا، فَارْتَفَعَ كُلُّ إشْكَالٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا.
[مَسْأَلَةٌ المتمتع كَانَ لَهُ أَهْلٌ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَهْلٌ غَيْرُ حَاضِرِينَ]
مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ ٨٣٦ - مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَهْلٌ غَيْرُ حَاضِرِينَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صَوْمَ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَنْ حَجَّ بِأَهْلِهِ فَتَمَتَّعَ، فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ فَأَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بِهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَلَيْسَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ.
وَقَدْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِأَهْلِهِمْ فَوَجَبَ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ، فَصَحَّ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَيْسَ أَهْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute