وَأَمَّا الَّذِي لَيْسَ صَحِيحًا فَلَا يَصِحُّ أَبَدًا، لِأَنَّ الْفَرْجَ الْحَرَامَ لَا يُحِلُّهُ الدُّخُولُ بِهِ وَطْؤُهُ، وَلَا طُولُ الْبَقَاءِ عَلَى اسْتِحْلَالِهِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا وِلَادَةُ الْأَوْلَادِ مِنْهُ، بَلْ هُوَ حَرَامٌ أَبَدًا.
فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ بِحَرَامٍ؟ قُلْنَا: فَلِمَ فَسَخْتُمْ الْعَقْدَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذًا وَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرُ حَرَامٍ؟ وَهَذِهِ أُمُورٌ لَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ قَلْبُ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ لِاعْتِقَادِهَا، أَوْ كَيْفَ يَنْطَلِقُ لِسَانُهُ بِنَصْرِهَا؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
وَأَمَّا كُلُّ عَقْدٍ صَحَّ ثُمَّ لَمَّا صَحَّ تَعَاقَدَا شُرُوطًا فَاسِدَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لَازِمٌ، وَإِذْ هُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْطَلَ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ - وَمُحَرِّمُ الْحَلَالِ كَمُحَلِّلِ الْحَرَامِ، وَلَا فَرْقَ، لَكِنْ تَبْطُلُ تِلْكَ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ أَبَدًا وَيُفْسَخُ حُكْمُ مَنْ حَكَمَ بِإِمْضَائِهَا، وَالْحَقُّ حَقٌّ، وَالْبَاطِلُ بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: ٨] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [يونس: ٨٢] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُتَمَلَّكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ جَازَ أَنْ يَكُون صَدَاقًا]
١٨٥٠ - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُتَمَلَّكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُون صَدَاقًا وَأَنْ يُخَالَعَ بِهِ وَأَنْ يُؤَاجَرَ بِهِ سَوَاءٌ حَلَّ بَيْعُهُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ كَالْمَاءِ، وَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَالسُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بَيْعًا، هَذَا مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْغَافِلِينَ: لَا يَحِلُّ الصَّدَاقُ بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا حُكْمٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا بَاعَ أَوْ مَاذَا اشْتَرَى أَرَقَبَتَهَا؟ فَبَيْعُ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ أَمْ فَرْجَهَا؟ فَهَذَا أَبْيَنُ فِي الْحَرَامِ وَهُوَ قَدْ اسْتَحَلَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْجَهَا الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا اسْتَحَلَّتْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْجَهُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَفَرْجٌ بِفَرْجٍ وَبَشَرَةٌ بِبَشَرَةٍ، وَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ الصَّدَاقَ لَهَا زِيَادَةً عَلَى اسْتِحْلَالِهَا فَرْجَهُ، وَلَيْسَ الْبَيْعُ هَكَذَا إنَّمَا هُوَ جِسْمٌ يُبَادَلُ بِجِسْمٍ، أَحَدُهُمَا ثَمَنٌ وَالْآخَرُ مَبِيعٌ مَثْمُونٌ لَا زِيَادَةَ هَاهُنَا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَوَضَحَ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ شَبَّهَ النِّكَاحَ بِالْبَيْعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبَيْعَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ لَا يَحِلُّ وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ حَلَالٌ صَحِيحٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ النِّكَاحَ بِصَدَاقِ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ أَجَازُوا النِّكَاحَ بِوَصِيفٍ وَبَيْتٍ وَخَادِمٍ، وَهَكَذَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ بَيْعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute