للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَصَحَّ أَنْ لَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ أَصْلًا؟ فَإِنْ قَالَ الْمُعَرَّضُ بِهِ: أُحَلِّفُهُ مَا أَرَادَ قَذْفِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَحْلِفُ هَاهُنَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْهُ، وَإِنَّمَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَرَادَ قَذْفَهُ فَقَطْ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَضْمَرَ قَذْفَهُ وَلَمْ يَقْذِفْهُ، فَإِنَّهُ لَا تَحْلِيفَ فِي ذَلِكَ، لِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَضْمَرَ قَذْفًا وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، حَتَّى أَقَرَّ بِذَلِكَ امْرُؤٌ عَلَى نَفْسِهِ - وَهَذَا الْمُعَرِّضُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِالْقَذْفِ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا. وَأَمَّا مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلَا تَحْلِيفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِهِ لَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّمَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا آذَيْتُك، وَلَا شَتَمْتُك وَيَبْرَأُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة قَذَفَ إنْسَانًا قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا وَحُدَّ فِيهِ أَوْ لَمْ يُحَدَّ]

٢٢٣٧ - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا وَحُدَّ فِيهِ أَوْ لَمْ يُحَدَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إذَا جُلِدَ الرَّجُلُ فِي حَدٍّ ثُمَّ أُونِسَ مِنْهُ تَرْكُهُ فَعَيَّرَهُ بِهِ إنْسَانٌ نُكِّلَ بِهِ. وَبِهِ - إلَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: عَلَى مَنْ أَشَاعَ الْفَاحِشَةَ نِكْلٌ، وَإِنْ صَدَقَ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ حَدًّا فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَعَيَّرَهُ بِهِ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ نَكَلَ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ وَلَدُ زِنًا؟ فَطَأْطَأَ الْآخَرُ رَأْسَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ هَذَا؟ فَسَكَتَ، وَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِالْقَائِلِ ذَلِكَ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُجَأْ قَفَاهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدَّارِ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَرَى عَلَى مَنْ قَذَفَ رَجُلًا جَلْدَ الْحَدِّ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْقَاذِفُ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت حِينَ قُلْت لَهُ مَا قُلْت إلَّا الْأَمْرَ الَّذِي جُلِدَ فِيهِ الْحَدَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>