مِنْهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْآيَةِ إلَّا مَنْ كَانَ مُحْدِثًا فَقَطْ، لَا كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ أَصْلًا، وَهَذَا لَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ فِي إيجَابِ تَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِالْآيَةِ وَصَارَتْ الْآيَةُ مُوجِبَةً لِقَوْلِنَا، وَمُسْقِطَةً لِلتَّيَمُّمِ إلَّا عَمَّنْ كَانَ مُحْدِثًا فَقَطْ، وَأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ صَحِيحَةٌ بِنَصِّ الْآيَةِ، فَإِذْ الْآيَةُ مُوجِبَةٌ لِذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ النَّافِلَةِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَجْنُبْ أَوْ يَجِدْ الْمَاءَ بِنَصِّ الْآيَةِ نَفْسِهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[مَسْأَلَةٌ التَّيَمُّمُ جَائِزٌ قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ]
٢٣٧ - مَسْأَلَةٌ:
وَالتَّيَمُّمُ جَائِزٌ قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ نَافِلَةً أَوْ فَرْضًا كَالْوُضُوءِ وَلَا فَرْقَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى إلَى صَلَاةِ فَرْضٍ دُونَ النَّافِلَةِ، فَكُلُّ مُرِيدٍ صَلَاةً فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا، وَبِالْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّم إنْ كَانَ مُحْدِثًا، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ لِمُرِيدِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ تَطَهُّرِهِ وَبَيْنَ صَلَاتِهِ مُهْلَةٌ مِنْ الزَّمَانِ، فَإِذْ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَنْ حَدَّ فِي قَدْرِ تِلْكَ الْمُهْلَةِ حَدًّا فَهُوَ مُبْطِلٌ، لِأَنَّهُ يَقُولُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، فَإِذْ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِالْوُضُوءِ وَلَا بِالتَّيَمُّمِ طُولُ تِلْكَ الْمُهْلَةِ وَلَا قِصَرُهَا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى]
٢٣٨ - مَسْأَلَةٌ:
وَمَنْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، لِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَالسَّفِينَةُ تَجْرِي وَأَرَادَ الصَّلَاة]
٢٣٩ - مَسْأَلَةٌ:
وَمَنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَالسَّفِينَةُ تَجْرِي فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَخْذِ مَاءِ الْبَحْرِ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ تَيَمَّمَ وَأَجْزَأَهُ.
رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءَ بِهِ، وَأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ التَّيَمُّمُ.
وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ مُطْلَقٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ الْمَاءِ مِنْهُ فَهُوَ لَا يَجِدُ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى التَّطَهُّرِ بِهِ، فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute