وَقَدْ ذَكَرُوا حَدِيثًا مُرْسَلًا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ «أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَقُوا الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ، أَوْ أَحْمِلُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتُرَاكَ قَاتِلٌ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ اجْلِسْ، فَإِذَا نَهَضَ أَصْحَابُكَ فَانْهَضْ وَإِذَا شَدُّوا فَشُدَّ» وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ سَأَلَهُ مَا يُضْحِكُ اللَّهُ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ: غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا فَنَزَعَ الرَّجُلُ دِرْعَهُ وَدَخَلَ فِي الْعَدُوِّ حَتَّى قُتِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» .
[مَسْأَلَةٌ تَحْرِيقُ أَشْجَارِ الْمُشْرِكِينَ وَدُورِهِمْ وَهَدْمُهَا]
٩٢٤ - مَسْأَلَةٌ:
وَجَائِزٌ تَحْرِيقُ أَشْجَارِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَطْعِمَتِهِمْ، وَزَرْعِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَهَدْمُهَا، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: ٥] وَقَالَ - تَعَالَى - {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠] وَقَدْ أَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ - وَهِيَ فِي طَرَفِ دُورِ الْمَدِينَةِ - وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا تَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي يَوْمٍ أَوْ غَدِهِ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ يَنْهَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ اخْتِيَارًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ أَيْضًا مُبَاحٌ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَقْطَعْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا نَخْلَ خَيْبَرَ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
٩٢٥ - مَسْأَلَةٌ:
وَلَا يَحِلُّ عَقْرُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانِهِمْ أَلْبَتَّةَ لَا إبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، وَلَا خَيْلٍ، وَلَا دَجَاجٍ، وَلَا حَمَامٍ، وَلَا أَوَزًّ، وَلَا بِرَكٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا لِلْأَكْلِ فَقَطْ، حَاشَا الْخَنَازِيرَ جُمْلَةً فَتُعْقَرُ، وَحَاشَا الْخَيْلَ فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ أَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ، أَوْ لَمْ يَأْخُذُوهَا أَدْرَكَهَا الْعَدُوُّ وَلَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَنْعِهَا، أَوْ لَمْ يُدْرِكُوهَا وَيُخَلَّى كُلُّ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى مَنْعِهِ، وَلَا عَلَى سَوْقِهِ، وَلَا يُعْقَرُ شَيْءٌ مِنْ نَحْلِهِمْ، وَلَا يُغَرَّقُ، وَلَا تُحَرَّقُ خَلَايَاهُ.
وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَعَتْ دَابَّتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ عَقْرُهَا لَكِنْ يَدَعُهَا كَمَا هِيَ وَهِيَ لَهُ أَبَدًا مَالٌ مِنْ مَالِهِ كَمَا كَانَتْ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهَا حُكْمٌ بِلَا نَصٍّ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute