للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجْهُولٌ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ، وَالْعَجَبُ مِنْ انْتِصَارِهِمْ هَهُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ اسْمُ الْأَيَّامِ إلَّا عَلَى ثَلَاثٍ لَا أَقَلَّ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى أَخَوَيْنِ فَقَطْ فَهَلَّا جَعَلُوا لَفْظَةَ الْأَيَّامِ تَقَعُ هَهُنَا عَلَى يَوْمَيْنِ؟ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فَلَا يَصِحُّ عَنْهُمَا، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَقِيلٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا أَفْتَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ مَنْ لَهَا أَيَّامٌ مَعْهُودَةٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ، فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ إجْمَاعًا فِي ذَلِكَ فَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: إنَّهُ يَعْرِفُ امْرَأَةً تَطْهُرُ عَشِيَّةً وَتَحِيضُ غُدْوَةً، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَدْ أَوْجَبَا بِرُؤْيَةِ دَفْعَةٍ مِنْ الدَّمِ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَفِطْرَ الصَّائِمَةِ وَتَحْرِيمَ الْوَطْءِ، وَهَذِهِ أَحْكَامٌ الْحَيْضِ، فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا: بِمَاذَا تُفْتُونَهَا؟ فَلَا يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي أَنَّهَا حَائِضٌ وَلَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ، فَنَسْأَلُهُمْ: إنْ رَأَتْ الطُّهْرَ إثْرَهَا؟ فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: تَغْتَسِلِي وَتُصَلِّي، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا أَلَّا تُفْطِرَ وَلَا تَدَعَ الصَّلَاةَ وَأَلَّا يَحْرُمَ وَطْؤُهَا إلَّا حَتَّى تُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ، فَإِذْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآثَارَ الصِّحَاحَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا جَاءَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» دُونَ تَحْدِيدِ وَقْتٍ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ - بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَفْتَى إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ، فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي.

[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ]

وَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَالَا: أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>