للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ الْعَجَائِبِ إبْطَالُهُمْ مِلْكَ الْعَبْدِ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ، ثُمَّ مَلَّكُوهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَهُوَ رَقَبَتُهُ.

وَأَمَّا إجَازَةُ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَصِيَّةَ لِلْمَمْلُوكِ بِالْجُزْءِ الْمَشَاعِ فِي الْمَالِ وَإِبْطَالُهُ الْوَصِيَّةَ لَهُ بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمَكِيلِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، أَوْ الْمَعْدُودِ: فَخَطَأٌ، لَا خَفَاءَ بِهِ، وَفَرْقٌ لَا بُرْهَانَ لَهُ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ.

وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ: أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ هُوَ غَيْرُ الْإِنْسَانِ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ مِنْ رَقَبَتِهِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ لَا تَدْخُلُ فِيهِ رَقَبَتُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ: فَخَطَأٌ فَاحِشٌ، وَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَقَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا انْتَزَعَهُ مِنْهُ صَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، مَا صَارَتْ قَطُّ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، لَكِنْ هِيَ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا الْوَارِثُ بِحَوْلِهِ، كَمَا يُجِيزُ مَالِكٌ: الْوَصِيَّةَ لِزَوْجِ الِابْنَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ تَأْخُذُهُ الْوَارِثَةُ فِي صَدَاقِهَا، وَفِي نَفَقَتِهَا، وَكِسْوَتِهَا.

وَكَمَا أَجَازَ أَيْضًا - الْوَصِيَّةَ لِغَرِيمِ الْوَارِثِ الْعَدِيمِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ فِي دَيْنِهِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة وَصِيَّة مِنْ لَمْ يَبْلُغ مِنْ الرجال وَالنِّسَاء]

١٧٦٤ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَصْلًا.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أُمِّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجَازَ لَهَا وَصِيَّةَ غُلَامٍ لَمْ يَحْتَلِمْ بِبِئْرِ جُشَمَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ: فَبِعْتهَا أَنَا بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ، وَقَالَ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا، وَرُوِيَ - وَلَمْ يَصِحَّ - عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ: أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ جَارِيَةٍ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ بِالثُّلُثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>