للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي فِيهِ «أَنْفَقَ عَلَيَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ» فَلَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَمْرٍو الْحَنَفِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ مُطْرَحٌ - ثُمَّ التَّوْلِيدُ فِيهِ لَائِحٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَصًّا: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِعَامَيْنِ، وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ فِيهَا مِنْ سَهْمِهِ مَالٌ وَاسِعٌ مَشْهُورٌ.

وَمَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَانَ قَدْ خَالَفَ تِلْكَ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، وَكَانَ مَنْ أَخَذَ بِتِلْكَ قَدْ أَخَذَ بِهَذِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْلِيفِ مَا صَحَّ مِنْ تِلْكَ الْأَخْبَارِ، وَضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ بِنَصٍّ آخَرَ.

وَمِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: رَأَيْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ، فَمِنْ الْعَجَبِ الِاحْتِجَاجُ فِي الدِّينِ بِأَحْلَامِ نَائِمٍ، هَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَقَدْ سَمِعَ عُمَرُ أَبُوهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تِلْكَ الرُّؤْيَا فَلَمْ يَعْبَأْ بِهَا.

فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبَقِيَ كُلُّ مَا أَوْرَدْنَا بِحَسْبِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا: مَنْعُ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ صَاحِبُ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ وَمِائَةِ عَبْدٍ - وَقَدْ حَضَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ - ثُمَّ يُجِيزُونَ لَهُ إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ لَا يُغْبَنَ فِي الْبَيْعِ فَأَطْلَقَهُ الْقَاضِي عَلَى مَالِهِ، وَمَا أَدْرَاك مَا الْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَ مَالِهِ لِشَاعِرٍ سَفِيهٍ، أَوْ لِنَدِيمِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَبْقَى هُوَ وَأَطْفَالُهُ وَعِيَالُهُ يَسْأَلُونَ عَلَى الْأَبْوَابِ وَيَمُوتُونَ جُوعًا وَبَرْدًا، وَاَللَّهِ مَا كَانَ قَطُّ هَذَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، مَا هُوَ إلَّا مِنْ حُكْمِ الشَّيْطَانِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

[مَسْأَلَة الْهِبَة أَوْ الصَّدَقَة لِأَحَدِ الْأَوْلَاد]

١٦٣٤ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ، وَلَا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وَلَدِهِ إلَّا حَتَّى يُعْطِيَ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُفَضِّلَ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى، وَلَا أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا وَلَا بُدَّ، وَإِنَّمَا هَذَا فِي التَّطَوُّعِ - وَأَمَّا فِي النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ فَلَا، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ الْوَاجِبَةُ.

لَكِنْ يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ بِحَسْبِ حَاجَتِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْهُمْ دُونَ الْغَنِيِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي وَلَدِ الْوَلَدِ، وَلَا فِي أُمَّهَاتِهِمْ، وَلَا فِي نِسَائِهِمْ، وَلَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>