للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُرْهَانُ ذَلِكَ - لَا يَشُكُّ أَنَّهُ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَعَمَّدُ عِصْيَانَ رَبِّهِ، فَلَوْ أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِقَتْلِهِمْ لَأَنْفَذَ ذَلِكَ، فَإِذْ لَمْ يَقْتُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَبِيَقِينٍ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِقَتْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ مَعَ الصَّغَارِ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ.

فَإِنْ قَالُوا: قُولُوا كَذَلِكَ فِي السَّاحِرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَكَذَا نَقُولُ، وَهُوَ أَنَّ السَّاحِرَ بِهَذَا الْخَبَرِ حَرَامُ الدَّمِ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِ، فَكَيْفَ بِسَيِّدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْلَنَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ.

ثُمَّ صَحَّ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَحْرِيمِ دِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ مَعَ الصَّغَارِ، وَإِبَاحَتِهَا بِعَدَمِ ذَلِكَ - وَصَحَّ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَصِرْنَا إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ أَمْرٌ صَحِيحٌ بِقَتْلِ السَّاحِرِ، فَبَقِيَ عَلَى تَحْرِيمِ الدَّمِ - فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة مِقْدَار التَّعْزِير]

. ٣٢٠٩ - مَسْأَلَةٌ: التَّعْزِيرُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِقْدَارِ التَّعْزِيرِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ مَحْدُودٌ، وَجَائِزٌ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْإِمَامُ مَا رَآهُ، وَأَنْ يُجَاوِزَ بِهِ الْحُدُودَ - بَالِغًا مَا بَلَغَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَأَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: التَّعْزِيرُ مِائَةُ جَلْدَةٍ فَأَقَلَّ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ مِائَةُ جَلْدَةٍ إلَّا جَلْدَةً.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا فَأَقَلَّ - هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا فَأَقَلَّ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ ثَلَاثُونَ سَوْطًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>