يَمُوتَ، فَهُمْ قَتَلُوهُ عَمْدًا وَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ بِأَنْ يُمْنَعُوا الْمَاءَ حَتَّى يَمُوتُوا - كَثُرُوا أَوْ قَلُّوا - وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَمْرِهِ، وَلَا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَسْقِيَهُ، فَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيُقَدِّرُونَ أَنَّهُ سَيُدْرِكُ الْمَاءَ، فَهُمْ قَتَلَةُ خَطَأٍ، وَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ الدِّيَةُ وَلَا بُدَّ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] ، وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: ١٩٤] ، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ - فِي الْعَالَمِ - أَنَّ مَنْ اسْتَقَاهُ مُسْلِمٌ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَسْقِيَهُ - فَتَعَمَّدَ أَنْ لَا يَسْقِيَهُ إلَى أَنْ مَاتَ عَطَشًا فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَدَى عَلَيْهِ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ، وَإِذَا اعْتَدَى فَوَاجِبٌ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ - أَنْ يُعْتَدَى عَلَى الْمُعْتَدِي بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ - فَصَحَّ قَوْلُنَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَقَدْ قَتَلَهُ، إذْ مَنَعَهُ مَا لَا حَيَاةَ لَهُ إلَّا بِهِ، فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَكَذَا الْقَوْلُ، فِي الْجَائِعِ، وَالْعَارِي، وَلَا فَرْقَ - وَكُلُّ ذَلِكَ عُدْوَانٌ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ اتَّبَعَهُ سَبْعٌ فَلَمْ يُؤْوِهِ حَتَّى أَكَلَهُ السَّبْعُ، لِأَنَّ السَّبْعَ هُوَ الْقَاتِلُ لَهُ، وَلَمْ يَمُتْ فِي جِنَايَتِهِمْ، وَلَا مِمَّا تَوَلَّدَ مِنْ جِنَايَتِهِمْ، وَلَكِنْ لَوْ تَرَكُوهُ فَأَخَذَهُ السَّبْعُ - وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى إنْقَاذِهِ - فَهُمْ قَتَلَةُ عَمْدٍ، إذْ لَمْ يَمُتْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا مِنْ فِعْلِهِمْ - وَهَذَا كَمَنْ أَدْخَلُوهُ فِي بَيْتٍ وَمَنَعُوهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَا فَرْقَ وَهَذَا كُلُّهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ دِيَةُ الْكَلْبِ]
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَافِظُ النَّيْسَابُورِيُّ فِي دَارِهِ بِالْأَهْوَازِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute