وَأَيْضًا - فَإِنَّهُ أَوْجَبَ هَاهُنَا أَجَلًا مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ - ثُمَّ هُوَ الْمُوجِبُ لَهُ لَا يَحُدُّ مِقْدَارَهُ، فَأَيُّ دَلِيلٍ أَدَلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ يُوجِبُ فِيهِ مِقْدَارًا [مَا] لَا يَدْرِي هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مَا هُوَ؟ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَمَنْ مَنَعَ مِنْ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
[مَسْأَلَةٌ طَالَبَهُ بِدَيْنِهِ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْرَضُ حَاضِرٌ عِنْدَ الْمُسْتَقْرِضِ]
١١٩٨ - مَسْأَلَةٌ:
فَإِنْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْرَضُ حَاضِرٌ عِنْدَ الْمُسْتَقْرِضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ الْمُسْتَقْرِضُ عَلَى [شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ] أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ بِعَيْنِهِ وَلَا بُدَّ، لَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى رَدِّ مِثْلِهِ - إمَّا ذَلِكَ الشَّيْءُ وَإِمَّا غَيْرُهُ مِثْلُهُ مِنْ نَوْعِهِ - لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الَّذِي اسْتَقْرَضَ وَصَارَ كَسَائِرِ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إخْرَاجِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُهُ قُضِيَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِرَدِّهِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَعْجِيلِ إنْصَافِ غَرِيمِهِ، فَتَأْخِيرُهُ بِذَلِكَ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْصَافِ - ظُلْمٌ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» وَهَذَا غَنِيٌّ فَمَطْلُهُ ظُلْمٌ.
[مَسْأَلَةٌ الْقَرْضُ إذَا كَانَ إلَى أَجَلٍ]
١١٩٩ - مَسْأَلَةٌ:
فَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ إلَى أَجَلٍ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِمَا أَنْ يَكْتُبَاهُ وَأَنْ يُشْهِدَا عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، عُدُولًا فَصَاعِدًا.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي سَفَرٍ وَلَمْ يَجِدَا كَاتِبًا فَإِنْ شَاءَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَنْ يَرْتَهِنَ بِهِ رَهْنًا فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرْتَهِنَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ الْحَالِّ - لَا فِي السَّفَرِ وَلَا فِي الْحَضَرِ -.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] إلَى قَوْلِهِ -: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة: ٢٨٢] : إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] إلَى قَوْله تَعَالَى -: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣] وَلَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الطَّاعَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute