للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَدَ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ إنْ كَانَ لَيْسَ مَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَوِّضُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا التُّرَابُ، وَإِدْخَالُ التَّيَمُّمِ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَحِلُّ مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءٌ يُجْزِئُ بِهِ الْوُضُوءُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سُؤْرُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ - الْحَلَالِ أَكْلُهُ وَالْحَرَامِ أَكْلُهُ - طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ لُعَابُهُ حَاشَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ، وَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ هَذَا بَعْضُ أَحْكَامِهِ بِأَنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى أَسْآرِ بَنِي آدَمَ وَلُعَابِهِمْ، فَإِنَّ لُحُومَهُمْ حَرَامٌ، وَلُعَابَهُمْ وَأَسْآرَهُمْ كُلَّ ذَلِكَ طَاهِرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ قِيَاسَ سَائِرِ السِّبَاعِ عَلَى الْكَلْبِ - الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ إلَّا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَبِعُمُومِ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَحْمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَقَطْ، فَدَخَلَ الْكَلْبُ فِي جُمْلَتِهَا بِهَذَا النَّصِّ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَ حَلَالًا - أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى ابْنِ آدَمَ الَّذِي لَا عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لِأَنَّ بَنِي آدَمَ مُتَعَبِّدُونَ، وَالسِّبَاعُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مُتَعَبِّدَةٍ، وَإِنَاثُ بَنِي آدَمَ حَلَالٌ لِذُكُورِهِمْ بِالتَّزْوِيجِ الْمُبَاحِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ الْمُبِيحِ لِلْوَطْءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَاثُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَأَلْبَانُ نِسَاءِ بَنِي آدَمَ حَلَالٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَلْبَانُ إنَاثِ السِّبَاعِ وَالْأُتُنِ، فَظَهَرَ خَطَأُ هَذَا الْقِيَاسِ بِيَقِينٍ.

فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهَا عَلَى الْهِرِّ، قِيلَ لَهُمْ: وَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تَقِيسُوهَا عَلَى الْهِرِّ دُونَ أَنْ تَقِيسُوهَا عَلَى الْكَلْبِ؟ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قِسْتُمْ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ وَلَمْ تَقِيسُوهُ عَلَى الْهِرِّ، كَمَا قِسْتُمْ السِّبَاعَ عَلَى الْهِرِّ، هَذَا لَوْ سُلِّمَ لَكُمْ أَمْرُ الْهِرِّ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ الثَّابِتُ - الَّذِي هُوَ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدَةَ عَنْ كَبْشَةَ - وَقَدْ وَرَدَ مُبَيِّنًا لِوُجُوبِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْهِرِّ، فَهَذِهِ مَقَايِيسُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ كَمَا تَرَى. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ.

[مَسْأَلَة حُكْم الْمَائِع إذَا وقعت فِيهِ نَجَاسَة]

١٣٦ - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ مَائِعٍ - مِنْ مَاءٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ مَرَقٍ أَوْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَوْ شَيْءٌ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ أَوْ مَيْتَةٌ، فَإِنْ غَيَّرَ ذَلِكَ لَوْنَ مَا وَقَعَ فِيهِ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ فَقَدْ فَسَدَ كُلُّهُ وَحُرِّمَ أَكْلُهُ، وَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ وَلَا بَيْعُهُ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ لَوْنِ مَا وَقَعَ فِيهِ وَلَا مِنْ طَعْمِهِ وَلَا مِنْ رِيحِهِ، فَذَلِكَ الْمَائِعُ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ - إنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ - وَالْوُضُوءُ حَلَالٌ بِذَلِكَ الْمَاءِ، وَالتَّطَهُّرُ بِهِ فِي الْغُسْلِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَبَيْعُ مَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>