الْحُكْمَ لَهُمَا وَاحِدٌ فِي التَّحْرِيمِ فَقَدْ كَذَبَ، لِأَنَّ لَحْمَ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ، وَهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ مَا شَرِبَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ لِسَانَهُ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ، فَمَنْ لَهُ بِنَجَاسَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَا دَامَ حَيًّا؟ وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا مَا جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ كُلُّ حَرَامٍ نَجِسًا لَكَانَ ابْنُ آدَمَ نَجِسًا. وَقَالَ مَالِكٌ: سُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَكُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كَسُؤْرِ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ. قَالَ: وَأَمَّا مَا أَكَلَ الْجِيَفَ - مِنْ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ - فَإِنْ شَرِبَ مِنْ مَاءٍ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ الَّتِي تَأْكُلُ النَّتِنَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ شَرِبَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي لَبَنٍ، فَإِنْ تَبَيَّنَ فِي مِنْقَارِهِ قَذَرٌ لَمْ يُؤْكَلْ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُرَ فِي مِنْقَارِهِ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَيَتَيَمَّمُ، إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَأْكُلُ النَّتِنَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِلُعَابِ الْكَلْبِ. قَالَ عَلِيٌّ: إيجَابُهُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ خَطَأٌ عَلَى أَصْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَدَّى الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ كَمَا أُمِرَ، أَوْ لَمْ يُؤَدِّهِمَا كَمَا أُمِرَ، فَإِنْ كَانَ أَدَّى الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةَ كَمَا أُمِرَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَيْنِ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهِمَا كَمَا أُمِرَ فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَهِيَ تُؤَدَّى عِنْدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ لَهُ - إذْ سُئِلَ بِهَذَا السُّؤَالِ - فَقَالَ: صَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ، فَلَمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ هَذَا ذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيٌّ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا أَقْبَحُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُمَوَّهِ لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْمِ إذْ رَمَى، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى هُوَ رَمَاهَا. فَهَذَا الْبَائِسُ الَّذِي صَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ، مَنْ صَلَّاهَا عَنْهُ؟ فَلَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ - إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً مِنْهُ - مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا فَاعِلٌ، كَمَا كَانَ لِلرَّمْيَةِ رَامٍ، وَهُوَ الْخَلَّاقُ عَزَّ وَجَلَّ إذْ وُجُودُ فِعْلٍ لَا فَاعِلَ لَهُ مُحَالٌ وَضَلَالٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي أُمِرَ بِهَا غَيْرَ مَوْجُودَةٍ مِنْهُ فَلْيُصَلِّهَا عَلَى أَصْلِهِمْ أَبَدًا.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَأْكُلُ النَّتِنَ فَمُتَنَاقِضٌ، لِأَنَّهُ إمَّا مَاءٌ وَإِمَّا لَيْسَ مَاءً، فَإِنْ كَانَ مَاءً فَإِنَّهُ لَئِنْ كَانَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ مَاءٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِئُ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute