للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا، وَأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ كُفْرٌ، وَلَيْسَ مَعَنَا نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، عَلَى أَنَّ آكِلَ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِذَلِكَ: كَافِرٌ، وَلَكِنَّهُ عَاصٍ، مُذْنِبٌ، فَاسِقٌ، إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ، فَيَكُونُ كَافِرًا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ مُعَانَدَةَ مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ، وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» .

[مَسْأَلَة تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا]

٢٣٠٢ - مَسْأَلَةٌ: تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: الصَّلَاةُ حَقٌّ فَرْضٌ إلَّا أَنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ - فَإِنَّهُ يُتَأَنَّى بِهِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُقْتَلْ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا قَتَلَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُعَزَّرُ حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُمَا يَرَيَانِ تَارِكَ الصَّلَاةِ الَّذِي ذَكَرْنَا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُمَا يُوَرِّثَانِ مَالَهُ وَلَدَهُ، وَيُصَلِّيَانِ عَلَيْهِ، وَيَدْفِنَانِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُفَرِّقَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَيُنْفِذَانِ وَصِيَّتَهُ، وَيُوَرِّثَانِهِ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ قَوْلُهُمَا فِي قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا - كَمَا ذَكَرْنَا - لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ كَافِرًا، أَوْ يَكُونَ غَيْرَ كَافِرٍ - فَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوهُ لَلَزِمَهُمْ أَنْ يُلْزِمُوهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَفِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ - فَإِذْ لَيْسَ كَافِرًا، وَلَا قَاتِلًا، وَلَا زَانِيًا مُحْصَنًا، وَلَا مُحَارِبًا، وَلَا مَحْدُودًا فِي الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَدَمُهُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>