قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] فَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَادَ لِمَا قَالَ، وَلَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ غَيْرِ امْرَأَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ؟ قُلْنَا: إنَّمَا الظِّهَارُ حِينَ النُّطْقِ بِهِ لَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْحُكْمُ لِلْقَوْلِ حِينَ يُقَالُ ثُمَّ يَلْزَمَ حِينَ لَا يُقَالُ.
وَمَنْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ وَطَأْتُك، أَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا - وَكَرَّرَ ذَلِكَ - فَلَيْسَ ظِهَارًا - فَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ - لِأَنَّهُ لَمْ يُمْضِ الظِّهَارَ وَلَا الْتَزَمَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَلْزَمْ حِينَ الْتِزَامِهِ لَمْ يَلْزَمْ فِي غَيْرِ حَالِ الْتِزَامِهِ، إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا نَصَّ هَهُنَا.
[مَسْأَلَةٌ ظَاهَرَ ثُمَّ كَرَّرَ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً]
١٨٩٢ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ظَاهَرَ ثُمَّ كَرَّرَ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ بِهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَا وَحَصَلَتْ الثَّالِثَةُ مُنْفَرِدَةً لَا تُوجِبُ شَيْئًا، فَإِنْ كَرَّرَ رَابِعَةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا أَعَادَ مِنْ الظِّهَارِ لِأَنَّ بِتَكْرَارِهِ ثَانِيَةً تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَلْزَمُ، فَيَكُونُ فِيمَا بَعْدَهَا مُبْتَدِئًا لِلظِّهَارِ، فَإِنْ كَرَّرَهُ وَجَبَتْ كَفَّارَةٌ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا ظَاهَرَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ فِي مَقَاعِدَ شَتَّى فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ شَتَّى، وَالْإِيمَانُ كَذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
رُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ قَالُوا: إذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ خَمْسِينَ مَرَّةً فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٍ.
وَصَحَّ مِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ شَتَّى مَا لَمْ يُكَفِّرْ، فَإِنْ كَفَّرَ ثُمَّ ظَاهَرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute