للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ، فَلَا صِحَّةَ لَهُ - وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الْعُيُوبَ كُلَّهَا، أَوْ بَعْضَهَا، أَوْ لَا يُسَمِّيَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَمَّى عَيْبًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ وَكَذَبَ فِيهِ، فَالصَّفْقَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِانْعِقَادِهَا عَلَى الْبَاطِلِ، وَعَلَى أَنَّ بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ يَشْتَرِيهِ، فَإِذْ لَيْسَ بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ، فَلَا شِرَاءَ لَهُ فِيهِ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ بَاعَ وَسَكَتَ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ عَيْبٍ أَصْلًا وَلَا شَرَطَ سَلَامَةً، فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ إنْ وُجِدَ الْعَيْبُ فَالْخِيَارُ لِوَاجِدِهِ فِي رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ، وَإِلَّا فَالْبَيْعُ لَازِمٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة بَيْع الْمَصَاحِف وكتب الْعُلُوم]

١٥٥٨ - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ كُتُبِ الْعُلُومِ - عَرَبِيُّهَا وَعَجَمِيُّهَا - لِأَنَّ الَّذِي يُبَاعُ إنَّمَا هُوَ الرَّقُّ أَوْ الْكَاغَدُ أَوْ الْقِرْطَاسُ وَالْمِدَادُ، وَالْأَدِيمُ - إنْ كَانَتْ مُجَلَّدَةً - وَحِلْيَةً إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا فَقَطْ.

وَأَمَّا الْعِلْمُ فَلَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ الطَّحَّانُ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ إيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ، وَتَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ بِالْأَرْشِ - يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَجْلَانَ - هُوَ الْأَفْطَسُ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَدِدْت أَنِّي قَدْ رَأَيْت أَنَّ الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى الْحَرَشِيِّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: شَهِدْت فَتْحَ تُسْتَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَأَصَبْنَا دَانْيَالَ بِالسُّوسِ وَمَعَهُ رَبْعَةٌ فِيهَا كِتَابٌ، وَمَعَنَا أَجِيرٌ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَ: تَبِيعُونِي هَذِهِ الرَّبْعَةَ وَمَا فِيهَا؟ قَالُوا: إنْ كَانَ فِيهَا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ كِتَابُ اللَّهِ لَمْ نَبِعْك؟ قَالَ: فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَكَرِهُوا بَيْعَهُ، قَالَ: فَبِعْنَاهُ الرَّبْعَةَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَوَهَبْنَا لَهُ الْكِتَابَ، قَالَ قَتَادَةُ: فَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ بَيْعُ الْمَصَاحِفِ؛ لِأَنَّ الْأَشْعَرِيَّ، وَالصَّحَابَةَ كَرِهُوا بَيْعَ ذَلِكَ الْكِتَابِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا كَرِهُوا الْبَيْعَ نَفْسَهُ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ نَصْرَانِيًّا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ وَهَبُوهُ لَهُ بِلَا ثَمَنٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>