وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمُرَاسِلِ، فَأَيْنَ هُمْ عَنْهُ؟ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ بَقَاءٍ عَنْ الْخِيَارِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ؟ وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ بَيْعِ الْخِيَارِ هَلْ زَالَ مِلْكُ بَائِعِهِ عَنْهُ وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ أَمْ لَا، إذَا اُشْتُرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، فَهُوَ قَوْلُنَا وَصَحَّ أَنَّهُ لَا بَيْعَ هُنَالِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِيقَاعُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي.
وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَالْخِيَارُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا يَصِحُّ فِي شَيْءٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ - وَأَقْوَالُهُمْ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا.
فَإِنْ قَالُوا قَدْ بَاعَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَشْتَرِ الْمُشْتَرِي بَعْدُ؟ قُلْنَا: هَذَا تَخْلِيطٌ وَبَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعٌ إلَّا وَهُنَالِكَ بَائِعٌ وَمُبْتَاعٌ وَانْتِقَالُ مِلْكٍ.
وَهَكَذَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَقَطْ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْعَقِدْ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَائِعِ.
فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ: فَهَذَا بَيْعٌ لَمْ يَنْعَقِدْ لَا عَلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْمُبْتَاعِ فَهُوَ بَاطِلٌ - وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ.
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ بِالْخِيَارِ لَا يَجُوزُ، فَهَلَّا قَاسُوا عَلَى ذَلِكَ الْبَيْعَ وَسَائِرِ مَا أَجَازُوا فِيهِ الْخِيَارَ، كَمَا فَعَلُوا فِي مُعَارَضَةِ السُّنَّةِ بِهَذَا الْقِيَاسِ نَفْسِهِ فِي إبْطَالِهِمْ الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَلَا نُصُوصَ الْتَزَمُوا وَلَا الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَالدَّلَائِلُ عَلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْخِيَارِ تَكْثُرُ، وَمُنَاقَضَاتُهُمْ فِيهِ جَمَّةٌ، وَإِنَّمَا أَقْوَالُهُمْ فِيهِ دَعَاوَى - بِلَا بُرْهَانٍ - مُخْتَلِفَةٌ مُتَدَافِعَةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ بَيْع صَحَّ وَتَمَّ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ إثْرَ تَمَامِ الْبَيْعِ]
١٤٢٢ - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ بَيْعٍ صَحَّ وَتَمَّ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ إثْرَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عُرِضَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نَقْصٍ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute