وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا أَيْضًا.
وَيَلْزَمُهُمْ إذْ قَاسُوا مَا يَكُونُ صَدَاقًا عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ فِي السَّرِقَةِ أَنْ يَقِيسُوا مُدَّةَ مُهْلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَيَقُولُوا بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي ذَلِكَ أَوْ يَجْعَلُوهُ شَهْرًا عَلَى قَوْلِهِمْ فِي أَجَلِ الْمَدِينِ أَنَّهُ يُسْجَنُ شَهْرًا، ثُمَّ يُسْأَلُ عَنْهُ بَعْدَ الشَّهْرِ؟ أَوْ يَقِيسُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي الْمُخَيَّرَةِ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ تَقُمْ عَنْ مَجْلِسِهَا أَوْ تَتَكَلَّمْ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ التَّحَكُّمَاتِ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ فِي تَحْرِيمِ الْفُرُوجِ وَإِبَاحَتِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدِّيَانَةِ وَبَيْنَ مُهْلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا شَبَهُ التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ؟ وَالْعَجَبُ مِنْ إجَازَتِهِمْ أَكْلَ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ وَنَسِيَ مُذْكِيهِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يَرَوْنَ هَهُنَا نِسْيَانَ الِاسْتِثْنَاءِ عُذْرًا يُوجِبُونَ لِلْحَالِفِ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى ذَكَرَ.
فَإِنْ قَالُوا: فَهَلَّا قُلْتُمْ أَنْتُمْ بِهَذَا كَمَا أَسْقَطْتُمْ الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا؟ قُلْنَا: لَمْ نَفْعَلْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْفَاعِلَ نَاسِيًا لَيْسَ حَانِثًا لِأَنَّ الْحَانِثَ هُوَ الْقَاصِدُ إلَى الْحِنْثِ، وَنَاسِي الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَسْتَثْنِ، فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَالْكَفَّارَةُ لَا تَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهَا إلَّا بِنَصٍّ، وَلَمْ يُسْقِطْهَا النَّصُّ إلَّا إذَا قَالَ مَوْصُولًا بِالْيَمِينِ مَا يَسْتَثْنِي بِهِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهَلَّا قَالُوا فِي قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ.
وَابْنِ عَبَّاسٍ هَهُنَا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، كَمَا قَالُوا فِي رِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ: هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَرَدُّوا بِهِ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ مِنْ أَنَّ كُلَّ بَيْعَيْنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا مَعًا.
[مَسْأَلَةٌ يَمِينُ الْأَبْكَمِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ]
١١٣٩ - مَسْأَلَةٌ
وَيَمِينُ الْأَبْكَمِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ لَازِمَانِ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ مِنْ صَوْتٍ يُصَوِّتُهُ أَوْ إشَارَةٍ إنْ كَانَ مُصْمَتًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَيْمَانَ إخْبَارٌ مِنْ الْحَالِفِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْأَبْكَمُ، وَالْمُصْمَتُ، مُخَاطَبَانِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَغَيْرِهِمَا.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَا اسْتَطَاعَاهُ، وَأَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمَا مَا لَيْسَ فِي