فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩] .
قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا الَّذِي حَكَمْنَا بِهِ بَيْنَهُمْ هُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَلْقَةً فِي الْإِسْلَامِ فَسَأَلَ عُمَرَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا آمُرُك وَلَا أَنْهَاك؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَكِنَّنِي آمُرُك، لَيْسَ طَلَاقُك فِي الشِّرْكِ بِشَيْءٍ - وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي قَتَادَةُ.
وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا.
وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَفِرَاسٍ الْهَمْدَانِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ إجَازَةُ طَلَاقِ الْمُشْرِكِ
هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: لَقَدْ طَلَّقَ رِجَالٌ نِسَاءً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَمَا رَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ -:
أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَأَنَّ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَثَانِيهَا - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَثَالِثُهَا - أَنَّنَا لَمْ نَمْنَعْ نَحْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ رَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيُقِرَّهُ.
[مَسْأَلَةٌ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ]
١٩٦٢ - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَخَفْتَهُ أَوْ ضَرَبْتَهُ أَوْ أَوْثَقْتَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ لَهُ: لَأَقْطَعَنَّ الْحَبْلَ، أَوْ لَتُطَلِّقَنِّي؟