قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ التَّخَالِيطُ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَمَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا حَكَمَ بِهِ الْعُدُولُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا أَمَرَ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِمْ هَاهُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ]
٨٧٩ - مَسْأَلَةٌ:
وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ، وَثَوْرِ الْوَحْشِ، وَالْأُرْوِيَّةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْأُيَّلِ: بَقَرَةٌ، وَفِي الْغَزَالِ، وَالْوَعِلِ وَالظَّبْيِ: عَنْزٌ، وَفِي الضَّبِّ، وَالْيَرْبُوعِ، وَالْأَرْنَبِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ جَدْيٌ، وَفِي الْوَبْرِ: شَاةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْوَرَلِ وَالضَّبُعِ، وَفِي الْحَمَامَةِ، وَكُلِّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ مِنْ الطَّيْرِ: شَاةٌ، وَكَذَلِكَ الْحُبَارَى وَالْكُرْكِيُّ، والبلدج، وَالْإِوَزُّ الْبَرِّيُّ، وَالْبُرَكُ الْبَحْرِيُّ، وَالدَّجَاجُ الْحَبَشِيُّ، وَالْكَرَوَانُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] فَلَا يَخْلُو الْمِثْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَغْلَبِ الْوُجُوهِ؛ فَوَجَدْنَا الْمُمَاثَلَةَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ مَعْدُومَةً مِنْ الْعَالَمِ جُمْلَةً لِأَنَّ كُلَّ غَيْرَيْنِ فَلَيْسَا مِثْلَيْنِ فِي تَغَايُرِهِمَا فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْمُمَاثَلَةِ مِنْ أَقَلِّ الْوُجُوهِ، وَهُوَ وَجْهٌ وَاحِدٌ فَوَجَدْنَا كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ لَا تَحَاشَ شَيْئًا، فَهُوَ يُمَاثِلُ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ مِنْ وَجْهٍ وَلَا بُدَّ وَهُوَ الْخَلْقُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ - وَهُوَ مَا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى - فَهُوَ مَخْلُوقٌ فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا.
وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ لَأَجْزَأَتْ الْعَنْزُ بَدَلَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، وَالنَّعَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَيَّانِ مَخْلُوقَانِ مَعًا؛ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ.
فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ أَغْلَبِ الْوُجُوهِ، وَأَظْهَرِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَقْوَالٌ مَحْصُورَةٌ فَبَطَلَتْ كُلُّهَا إلَّا وَاحِدًا فَهُوَ الْحَقُّ بِلَا شَكٍّ؛ فَهَذَا مُوجَبُ الْقُرْآنِ.
وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ، فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا بَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْقَدِّ وَهَيْئَةِ الْجِسْمِ، لِأَنَّ الْكَبْشَ أَشْبَهُ النَّعَمِ بِالضَّبُعِ - وَبِهَذَا جَاءَ حُكْمُ السَّلَفِ الطَّيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute