للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْبُخَارِيُّ: ونا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبِ أَنَا إِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ - عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " إنَّ مَنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا: سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ ".

[مَسْأَلَةٌ الْقَتْلُ قِسْمَانِ عَمْدٌ وَخَطَأٌ]

٢٠٢٣ - مَسْأَلَةٌ: وَالْقَتْلُ قِسْمَانِ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: الْآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرْنَا آنِفًا، فَلَمْ يَجْعَلْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقَتْلِ قِسْمًا ثَالِثًا - وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَاهُنَا قِسْمًا ثَالِثًا، وَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ - وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ نَصٌّ أَصْلًا، وَقَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَ تِلْكَ الْآثَارِ فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

مَعَ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ هُمْ مُخَالِفُونَ لِتِلْكَ الْآثَارِ السَّاقِطَةِ الَّتِي مَوَّهُوا بِهَا فِيمَا فِيهَا مِنْ صِفَةِ الدِّيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ - وَهُوَ عِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - مَا تَعَمَّدَ بِهِ الْمَرْءُ مِمَّا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ - وَقَدْ لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا عَمْدٌ وَفِيهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ، كَمَا فِي سَائِرِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] .

وَالثَّانِي - مَا تَعَمَّدَ بِهِ مِمَّا لَا يَمُوتُ أَحَدٌ أَصْلًا مِنْ مِثْلِهِ، فَهَذَا لَيْسَ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ - وَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ فَقَطْ.

وَمِنْ عَجَائِبِ الْأَقْوَالِ هَاهُنَا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: مَنْ أَخَذَ حَجَرًا مِنْ قِنْطَارٍ فَضَرَبَ مُتَعَمِّدًا رَأْسَ مُسْلِمٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِهِ حَتَّى شَدَخَ رَأْسَهُ كُلَّهُ: فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ قَتْلَ عَمْدٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ رَأْسِهِ بِعُودٍ غَلِيظٍ حَتَّى يَكْسِرَهُ كُلَّهُ وَيُسِيلَ دِمَاغَهُ وَيَمُوتَ وَلَا فَرْقَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ مَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ فِي فَخْذِ مُسْلِمٍ فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ إثْرَ الضَّرْبَةِ -: فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَيُقْتَلُ الضَّارِبُ.

وَسَمَاعُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَكْفِي مِنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>