للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة الِاخْتِلَاف فِيمَنْ لَا عَاقِلَة لَهُ]

مَسْأَلَةٌ: مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى الْمُسْلِمِينَ -: كَمَا رُوِّينَا أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ الرَّجُلَ يَمُوتُ بَيْنَنَا لَيْسَ لَهُ رَحِمٌ وَلَا مَوْلًى وَلَا عَصَبَةٌ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنْ تَرَكَ رَحِمًا فَرَحِمٌ، وَإِلَّا فَالْمَوْلَى، وَإِلَّا فَلِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ: يَرِثُونَهُ، وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَقْلُهُ عَلَى عَصَبَةِ أُمِّهِ -: كَمَا رُوِّينَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا رَجَمَ الْمَرْأَةَ قَالَ لِأَوْلِيَائِهَا: هَذَا ابْنُكُمْ تَرِثُونَهُ وَيَرِثُكُمْ، وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً فَعَلَيْكُمْ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِعَصَبَةِ أُمِّهِ، وَتَرِثُهُ، وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا - وَهُوَ النَّخَعِيُّ - فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ قَالَ: مِيرَاثُهُ كُلُّهُ لِأُمِّهِ، وَيَعْقِلُ عَنْهُ عَصَبَتُهَا، كَذَلِكَ وَلَدُ الزِّنَى، وَوَلَدُ النَّصْرَانِيِّ وَأُمُّهُ مُسْلِمَةٌ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى مَنْ كَانَ مِثْلَهُ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ أَسْلَمَ وَلَيْسَ لَهُ مَوَالٍ، فَقَتَلَ رَجُلًا خَطَأً؟ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ اجْعَلُوهَا دِيَةً عَلَى نَحْوِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى مَنْ كَانَ مِثْلَهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ سَائِبَةً مِنْ سُيَّبِ مَكَّةَ أَصَابَتْ إنْسَانًا فَجَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَيْسَ لَك شَيْءٌ، أَرَأَيْت لَوْ شَجَجْته؟ قَالَ: آخُذُ لَهُ مِنْك حَقَّهُ، وَلَا تَأْخُذُ لِي مِنْهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هُوَ إذًا الْأَرْقَمُ أَنْ يَتْرُكَنِي أُلْقِمُ وَأَنْ يَقْتُلُونِي أَنْقِمُ، قَالَ عُمَرُ: فَهُوَ الْأَرْقَمُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا؟ فَوَجَدْنَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] الْآيَةَ.

وَوَجَدْنَا «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَضَى مُجْمَلًا فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» ، فَكَانَ هَذَانِ النَّصَّانِ عَامَّيْنِ لِكُلِّ مَنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَلِكُلِّ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَلَا عَصَبَةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَضَى بِالدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ عَلَى الْعَصَبَةِ لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى مَنْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>