للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى أَحَدِهِمَا فَنُسْقِطَ حَقَّهُ هَكَذَا مُطَارَفَةً فَيَكُونُ جَوْرًا وَمُحَابَاةً، فَوَجَبَتْ الْقُرْعَةُ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَفَعَتْ إلَيْهَا وَلَا يَحِلُّ إيقَافُ الْأَمْرِ حَتَّى يَتَّفِقَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ حَقِّهِمَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ أَخَاف إنْسَانًا فَقَطَعَ سَاقَهُ وَمَنْكِبَهُ وَأَنْفَهُ وَقَتَلَهُ]

٢١٤٠ - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَخَاف إنْسَانًا فَقَطَعَ سَاقَهُ وَمَنْكِبَهُ وَأَنْفَهُ وَقَتَلَهُ، فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كُلَّ ذَلِكَ، وَيَقْتُلَهُ - وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كُلَّ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ، وَلَا يَقْتُلَهُ، لَكِنْ يَعْفُوَ عَنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ قَدْ وَجَبَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا قِصَاصًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَهَذَا أَيْضًا مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ وَعَنْ بَعْضِهِ، فَأَيَّ حَقِّهِ فَعَلَ فَذَلِكَ لَهُ، وَأَيَّ حَقِّهِ تَرَكَ فَذَلِكَ لَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذِرَاعَهُ وَيُخِيفَهُ عَلَى أَنْ يَقْتُلَهُ، وَأَمَّا عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ فَلَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ.

فَإِنْ قَالَ: فِي ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَإِذَا أَبَاحَ لَهُ تَعْذِيبَهُ فَأَتَى بِبَعْضِ مَا أُبِيحَ لَهُ وَعَفَا عَنْ الْبَعْضِ، فَقَدْ أَحْسَنَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَعَدَّ - وَمَا وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَطُّ أَلْزَمَ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ كُلِّهِ وَمَنَعَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ بَعْضِهِ.

بَلْ قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِخِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ جُمْلَةً وَهُوَ «فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُرَنِيِّينَ إذْ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ قِصَاصًا بِمَا فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا» .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ كَاذِبًا: إنَّ هَذَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَانَتْ الْمُثْلَةُ مُبَاحَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ قَطَعَ أُصْبُعَ آخَرَ عَمْدًا فَسَأَلَ الْقَوَدَ]

٢١٤١ - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ آخَرَ عَمْدًا فَسَأَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>