كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» .
فَإِنْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَعْظَمِ حُجَّةٍ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ فِيهِ إيجَابَ التَّحَلُّلِ مِنْ كُلِّ مَظْلَمَةٌ، وَالتَّحَلُّلُ ضَرُورَةً لَا يَكُونُ بِإِنْكَارِ الْحَقِّ أَصْلًا، بَلْ هَذَا إصْرَارٌ عَلَى الظُّلْمِ، وَإِنَّمَا التَّحَلُّلُ بِالِاعْتِرَافِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالنَّدَمِ، وَطَلَبِ أَنْ يُجْعَلَ فِي حِلٍّ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُنَا، وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ صُلْحٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهِ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ الظُّلْمِ، فَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ مَالٌ أُنْصِفَ مِنْهُ أَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ، وَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ سَبُّ عِرْضٍ طَلَبَ التَّحَلُّلَ، وَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ قِصَاصٌ اقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِالْعَفْوِ - وَلَا مَزِيدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ الْإِقْرَارُ بِالصُّلْحِ إذَا صَحَّ]
١٢٧١ - مَسْأَلَةٌ:
فَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالصُّلْحِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ مَا لَهُ عَلَيْهِ وَيُبْرِئَهُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ بَاقِيهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَفَعَلَ -: فَهَذَا حَسَنٌ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ عَيْنًا مُعَيَّنَةً حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ، فَهَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَيَحْرُمُ فِيهِ مَا يَحْرُمُ فِي الْبَيْعِ وَلَا مَزِيدَ، أَوْ بِالْإِجَارَةِ حَيْثُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] .
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ: حَدَّثَنِي «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مَالٌ فَمَرَّ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيَا كَعْبُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفَهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute