للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي أَوْ تَأْتِيَنِي بِحَمِيلٍ؟ فَتَحَمَّلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الذَّهَبَ؟ قَالَ: مِنْ مَعْدِنٍ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ فَقَضَاهَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

قَالَ عَلِيٌّ: فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَجَبٌ أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَرَكُوا رِوَايَتَهُ فِي غَيْرِ قِصَّةٍ -: مِنْهَا - رِوَايَتُهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» .

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ فِيهِ: «فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ» .

فَصَحَّ أَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ وَعَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا نَأْبَاهُ، بَلْ بِهِ نَقُولُ إذَا قَالَ الْمَضْمُونُ لِلضَّامِنِ: أَنَا آتِيَك بِمَا تَتَحَمَّلُ بِهِ عَنِّي.

ثُمَّ الْعَجَبُ الثَّالِثُ - احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، لِأَنَّ فِيهِ " أَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ مَعْدِنٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ " وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ فِيهِ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ مَا فِيهِ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

[مَسْأَلَةٌ الْعَبْد وَالْحُرّ وَالْمَرْأَة وَالرَّجُل وَالْكَافِر وَالْمُؤْمِن فِي الضَّمَان سَوَاءٌ]

١٢٣١ - مَسْأَلَةٌ: وَحُكْمُ الْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، وَالْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ، وَالْكَافِرِ، وَالْمُؤْمِنِ: سَوَاءٌ، لِعُمُومِ النَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ ضَمَانُ مَا لَا يَدْرِي مِقْدَارُهُ]

١٢٣٢ - مَسْأَلَةٌ:

وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ مَا لَا يَدْرِي مِقْدَارُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا أَضْمَنُ عَنْك مَا لِفُلَانٍ عَلَيْك، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] .

وَلِإِخْبَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ «لَا يَحِلُّ مَالُ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَالتَّرَاضِي، وَطِيبُ النَّفْسِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مَعْلُومِ الْقَدْرِ - هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ.

[مَسْأَلَةٌ ضَمَانُ مَالٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ]

١٢٣٣ - مَسْأَلَةٌ:

وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ مَالٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَنَا أَضْمَنُ لَك مَا تَسْتَقْرِضُهُ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ لَهُ: اقْتَرِضْ مِنْ فُلَانٍ دِينَارًا وَأَنَا أَضْمَنُهُ عَنْك، أَوْ قَالَ لَهُ: أَقْرِضْ فُلَانًا دِينَارًا وَأَنَا أَضْمَنُهُ لَك - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>