أَخَذَهُ، وَلَئِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخَذَهُ: أَنَّهُ لِيَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؟ - وَمَا عَدَا هَذَا فَوَسَاوِسُ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا - وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا - فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ؟ وَهَذِهِ أَيْضًا مُنَاقَضَةٌ، لِأَنَّهُ إنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَجَبَ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا مِنْ الطَّلَاقِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ طَلَاقًا مُطْلَقًا، بَلْ طَلَاقًا بِعِوَضٍ، لَوْلَاهُ لَمْ يُطَلِّقْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إنْ أَخَذَهُ مِنْهَا وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَّا بِرِضَاهَا؟ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ لَهُ لَازِمًا، فَاَلَّذِي أَخَذَ لَهُ مِلْكٌ، إلَّا إنْ كَانَ يَقُولُ: إنَّ طَلَاقَ الْخُلْعِ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إذَا لَمْ يَصِحَّ الْعِوَضُ الَّذِي لَمْ يُعْقَدْ الطَّلَاقُ إلَّا عَلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا وُقُوعَ لَهُ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْمُطَلِّقِ لِمَا أَخَذَ عِوَضًا مِنْ الطَّلَاقِ.
وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَنَّهُ إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ وَكَانَتْ لَهُ مُطَاوِعَةً فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَمَالُهَا لَهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةُ فَتَذْهَبَ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، فَهُوَ أَيْضًا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بُطْلَانِ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَقَوْلُ طَاوُسٍ هُوَ الْحَقُّ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنْ أَخَذَ فِدَاءَهَا - وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ - رَجَعَ إلَيْهَا مَالُهَا وَرَجَعَتْ إلَيْهِ، وَلَمْ تَذْهَبْ بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا - وَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ خَالَعَ عَلَى مَجْهُولٍ]
١٩٧٥ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَالَعَ عَلَى مَجْهُولٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هُوَ مَا يَجِبُ لَهُ عِنْدَهَا، وَلَا تَدْرِيهِ هِيَ، فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَكُلُّ طَلَاقٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذَا كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَمْ يُطَلِّقْ أَصْلًا - وَالْعَجَبُ كُلُّهُ احْتِجَاجُهُمْ فِي خِلَافِ هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] .
قَالُوا: هَذَا عُمُومٌ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، عُمُومٌ لِمَا يَحِلُّ عَقْدُهُ وَمِلْكُهُ لَا لِلْحَرَامِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَفْتَدِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute