للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ، إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ.

فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ، قَالَ: اشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى مَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ دَارَ السِّجْنِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةٍ؟ .

قُلْنَا: قَدْ جَاءَ لِبَعْضِ السَّلَفِ خِلَافٌ لِهَذَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَرِهَ السِّجْنَ بِمَكَّةَ، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْتُ عَذَابٍ فِي بَيْتِ رَحْمَةٍ - وَبِهَذَا نَأْخُذُ.

فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْنَا خِلَافَ عُمَرَ، وَنَافِعٍ، وَصَفْوَانَ فِي ذَلِكَ. قُلْنَا لَهُمْ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا إذَا أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَكِنْ إذْ تُنْكِرُونَ هَذَا وَلَا يَحِلُّ عِنْدَكُمْ فَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ خِلَافَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، فِي أَنَّهُ نَصُّ عُمَرَ " فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةٍ "؟ وَهَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ رِبًا مَحْضٌ، فَعَادَ الْإِثْمُ عَلَيْهِمْ وَالْعَارُ أَيْضًا فِي خِلَافِهِمْ مَا لَا يَسْتَحِلُّونَ خِلَافَهُ إلَى خِلَافِهِمْ: عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَأَبِي شُرَيْحٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، فِي أَنْ لَا يُقَامَ قَوَدٌ بِمَكَّةَ أَصْلًا، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ، وَالسُّنَّةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمْ يَهْتِفُ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ ثَانِيَ يَوْمِ الْفَتْحِ.

فَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الثَّابِتُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِهِ.

وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ هَلْ يُقَامُ الْقِصَاصُ أَوْ الْحُدُودُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ]

٢٠٩١ - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُقَامُ الْقِصَاصُ أَوْ الْحُدُودُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَمْ لَا؟

قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَقَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: ٢١٧] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>