عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي لَفْظُهُ «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا بِزِيَادَةٍ وَعُمُومٍ عَلَى الْآيَتَيْنِ وَالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، فَدَخَلَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ الصَّحِيحُ الْمُقِيمُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ جَمْعُ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَكُلُّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَاللَّيْثِ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ، لَكِنْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ إلَّا حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَعَادَ وَلَا بُدَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ فِي الْحَضَرِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، لَكِنْ يَصْبِرُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَيَجِدَ الْمَاءَ فَيُصَلِّي حِينَئِذٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَمْرُهُمَا لَهُ بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ مِنْ أَنْ يَكُونَا أَمَرَاهُ بِصَلَاةٍ هِيَ فَرْضُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَوْ بِصَلَاةٍ لَمْ يَفْرِضْهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ قَالَ مُقَلِّدُهُمَا أَمَرَاهُ بِصَلَاةٍ: هِيَ فَرْضٌ عَلَيْهِ، قُلْنَا فَلِمَ يُعِيدُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ أَمَرَاهُ بِصَلَاةٍ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ، أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، وَهَذَا خَطَأٌ، وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَدَائِهَا فِيهِ، وَأَلْزَمَهُ إيَّاهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْخِيرَهَا إلَيْهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالصَّلَاةُ فَرْضٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ، وَالتَّأْكِيدُ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَوَجَدْنَا هَذَا الَّذِي حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ وَبِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا وَبِالصَّلَاةِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ سَقَطَا عَنْهُ، وَقَدْ نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ طَهُورٌ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، فَهُوَ غَيْرُ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[مَسْأَلَةٌ السَّفَرُ الَّذِي يُتَيَمَّمُ فِيهِ]
٢٢٨ - مَسْأَلَةٌ:
وَالسَّفَرُ الَّذِي يُتَيَمَّمُ فِيهِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ سَفَرًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَوْ مِمَّا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ - مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ مِنْ الْبُرُوزِ عَنْ الْمَنَازِلِ - فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، فَأَمَّا الْمُسَافِرُ سَفَرًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ التَّيَمُّمُ فَالْأَفْضَلُ لَهُمَا أَنْ يَتَيَمَّمَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute