«خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى» وَقَالَ قَدْ صَحَّ وُجُوبُ الصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُهَا إلَّا بِبُرْهَانِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
قَالَ عَلِيٌّ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ» ، وَلَمْ يُوجِبْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بَعْدَهُ، فَمَنْ أَخَذَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا الْخَبَرِ لَزِمَهُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا خِلَافٌ لِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ بِوَقْتِهَا.
وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ؛ إنَّهُمْ اشْتَدَّتْ الْحَرْبُ غَدَاةَ فَتْحِ تُسْتَرَ فَلَمْ يُصَلُّوا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مَكْحُولٌ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ أَنَسًا؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ تَرَكُوهَا عَارِفِينَ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا، بَلْ كَانُوا نَاسِينَ لَهَا بِلَا شَكٍّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِفَاضِلٍ مِنْ عَرْضِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ هَذَا، فَكَيْفَ بِصَاحِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَوْ كَانُوا ذَاكِرِينَ لَهَا لَصَلَّوْهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا أُمِرُوا، أَوْ رِجَالًا وَرُكْبَانًا كَمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا، فَلَاحَ يَقِينًا كَذِبُ مَنْ ظَنَّ غَيْرَ هَذَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكْثِرَ مِنْ التَّطَوُّعِ]
٢٨٠ - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَتُوبَ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكْثِرَ مِنْ التَّطَوُّعِ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: ٥٩] {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} [مريم: ٦٠] وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٣٥] وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: ٤٧] وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ - وَبِهِ وَرَدَتْ النُّصُوصُ كُلُّهَا - عَلَى أَنَّ لِلتَّطَوُّعِ جُزْءًا مِنْ الْخَيْرِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، وَلِلْفَرِيضَةِ أَيْضًا جُزْءٌ مِنْ الْخَيْرِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، فَلَا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْ جُزْءِ التَّطَوُّعِ إذَا كَثُرَ مَا يُوَازِي جُزْءَ الْفَرِيضَةِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ، وَأَنَّ {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] ، وَأَنَّ {مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: ٦] {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: ٧] ، وَ {مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: ٨] {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: ٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute