ثُمَّ نَظَرَنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ احْتَجَّ عَلَى مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا، وَتِلْكَ الْحُجَّةُ بِعَيْنِهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ، فِي قَوْلِهِ " إنَّ مَنْ نَزَعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إلَى قَرْيَةٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الْقُرَى، كَالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ عَنْهُ: أَهْلُ الْقُرَى، وَأَهْلُهُ بِالْبَادِيَةِ ".
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَمَا عَلِمْنَاهُ قَالَ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُهُ نَظَرٌ، وَلَا قِيَاسٌ: فَبَطَلَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمْ يَبْقَ - إذْ بَطَلَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ - إلَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِمُوَافَقَتِهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الَّذِي هُوَ الْحُجَّةُ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَرُدَّ إلَيْهِ النَّوَازِلَ فِي ذَلِكَ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى: فَوَجَدْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَتَبَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ، وَجَاءَ حُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّيَةِ، وَفِي الْغُرَّةِ كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا وَجَاءَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّ الْعَاقِلَةَ هُمْ الْأَوْلِيَاءُ وَهُمْ الْعَصَبَةُ - فَصَحَّ بِهَذَا مَا قُلْنَاهُ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ - الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ عَلَى قُرَيْشٍ عُقُولَهُ، وَعَلَى الْأَنْصَارِ عُقُولَهُ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.
فَوَجَبَ أَنْ نَبْدَأَ فِي الْعَقْلِ بِالْعَصَبَةِ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ لَا نَتَجَاوَزَ الْبَطْنَ، كَمَا حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ لَا يُلْتَفَتَ إلَى دِيوَانٍ، وَلَا إلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، لَكِنْ يُكَلَّفُ ذَلِكَ الْعَصَبَةُ حَيْثُ كَانُوا إلَى الْبَطْنِ، فَإِنْ جَهِلُوا أَوْ تَعَذَّرَ أَمْرُهُمْ لِافْتِرَاقِ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ، الْعَصَبَةُ وَالْبَطْنُ حِينَئِذٍ مِنْ الْغَارِمِينَ، وَمِمَّنْ قَدْ لَزِمَتْهُمْ تِلْكَ الْغَرَامَةُ، وَوَجَبَتْ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَإِذْ هُمْ مِنْ الْغَارِمِينَ فَيُؤَدَّى حَقُّهُمْ فِي الصَّدَقَاتِ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَيُؤَدَّى عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ - فَهَذَا حُكْمُ الْعَاقِلَةِ قَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ.
[مَسْأَلَة هَلْ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الصُّلْحَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الِاعْتِرَافِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ]
٢١٤٤ - مَسْأَلَةٌ: هَلْ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الصُّلْحَ فِي الْعَمْدِ، أَوْ الِاعْتِرَافِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ؟ أَوْ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْخَطَأِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute