قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ كُلَّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ وَاحْتِجَاجِهِمْ بِبَعْضِهِ، فَبَعْضُهُ حَقٌّ وَبَعْضُهُ بَاطِلٌ؟ أُفٍّ لِهَذِهِ الْأَدْيَانِ.
وَأَمَّا «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» ، فَمَا يَحْضُرُنَا الْآنَ ذِكْرُ إسْنَادِهَا، إلَّا أَنَّهُ جُمْلَةً لَا خَيْرَ فِيهِ، وَابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ ضَعِيفٌ مُطْرَحٌ، وَمُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِهِ.
وَأَمَّا لَفْظُ «لِمَنْ وَاثَبَهَا» فَهُوَ لَفْظٌ فَاسِدٌ، لَا يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ مِثْلُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا: مُوجِبٌ أَنْ يَلْزَمَهُ الطَّلَبُ مَعَ الْبَيْعِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاثَبَةَ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَبُهُ مَعَ الْبَيْعِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّأَنِّي فِي الْوَثْبِ لَا يُسَمَّى مُوَاثَبَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ «الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ» فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَشْطَ الْعِقَالِ: هُوَ حَلُّ الْعِقَالِ، وَكَذَلِكَ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا حَلُّ مِلْكٍ عَنْ الْمَبِيعِ وَإِيجَابُهُ لِغَيْرِهِ فَقَطْ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَقَّ الشَّفِيعِ وَاجِبًا وَجَعَلَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُصَدَّقِ أَحَقَّ، إذَا لَمْ يُؤْذَنْ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَكُلُّ حَقٍّ ثَبَتَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَسْقُطُ أَبَدًا إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ بِسُقُوطِهِ، فَإِنْ وَقَفَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ لَزِمَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَوَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ إجْبَارُهُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ حَقَّهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَضْيِيعُهُ، فَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَخْذِهِ؛ أَوْ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَاشٌّ غَيْرُ نَاصِحٍ لِأَخِيهِ الْمُنْصِفِ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ مُنِعَ حَقُّهُ وَلَمْ يُعْطَهُ، فَلَيْسَ سُقُوطُهُ عَنْ طَلَبِهِ قَطْعًا لِحَقِّهِ وَلَوْ سَكَتَ عُمْرَهُ كُلَّهُ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ غُصِبَ مَالًا، أَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَوْ مِيرَاثٌ، أَوْ حَقٌّ مَا، فَإِنَّ سُقُوطَهُ عَنْ طَلَبِهِ لَا يُبْطِلُهُ، وَأَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ أَبَدًا فَمِنْ أَيْنَ خَصُّوا حَقَّ الشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ بِهَذِهِ التَّخَالِيطِ؟
[مَسْأَلَة إذَا أَخَذَ الشَّفِيع حَقّه]
١٥٩٨ -. مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ لَزِمَ الْمُشْتَرِي رَدُّ مَا اسْتَغَلَّ وَكَانَ كُلُّ مَا أَنْفَذَ فِيهِ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ بُنْيَانٍ، أَوْ مُكَاتَبَةٍ، أَوْ مُقَاسَمَةٍ، فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute