فَصَحَّ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْقَوَدَ قَدْ وَجَبَ وَلَا بُدَّ، وَأَنَّ الْعَفْوَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا رِضَا لَهُمَا، وَلَا عَفْوَ، وَلَا أَمْرَ نَافِذٌ بِصَدَقَةٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْوَجْهُ، وَبَقِيَ الَّذِي وَجَبَ بِيَقِينٍ مِنْ الْقَوَدِ، فَيَسْتَقِيدُ لَهُ أَبُوهُ، أَوْ وَلِيُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، كَانَ لَهُ الْقَوَدُ الَّذِي قَدْ وَجَبَ أَخْذُهُ لَهُ بَعْدُ، وَحَدَثَ لَهُ جَوَازُ الْعَفْوِ إنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ، وَلَا لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ، وَلَا أَنْ يُفَادِيَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجُرُوحِ، لِأَنَّ كُلَّ هَذَا دَاخِلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ [وَالْعَفْوُ] لَا يَكُونُ إلَّا بِرِضَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بِتَرَاضٍ مِنْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَةٌ عَفْوُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ جِنَايَةً يَمُوتُ مِنْهَا]
٢٠٨٨ - مَسْأَلَةٌ:
هَلْ يَجُوزُ عَفْوُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ جِنَايَةً يَمُوتُ مِنْهَا خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَنْ دِيَتِهِ وَغَيْرِهَا عَنْ دَمِهِ أَمْ لَا؟
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ قَوْمٍ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ وَبَيْنَ حَيٍّ مِنْ الْأَحْيَاءِ قِتَالٌ، وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ، وَضَرْبٌ بِالنِّعَالِ، فَأُصِيبَ غُلَامٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، فَأَتَى عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهِ قَالَ: إنِّي قَدْ عَفَوْت رَجَاءَ الثَّوَابِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ قَوْمِي، فَأَجَازَهُ ابْنُ عُمَرَ.
وَبِهِ - إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا عَفَا الرَّجُلُ عَنْ قَاتِلِهِ فِي الْعَمْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَهُوَ جَائِزٌ.
وَعَنْ ابْنِ طَاوُسٍ قُلْت لِأَبِي: يُقْتَلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَيَعْفُو عَنْ دَمِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا قُتِلَ الرَّجُلُ فَعَفَا عَنْ دَمِهِ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْتُلُوا.
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: إنْ وَهَبَ الَّذِي يُقْتَلُ خَطَأً دِيَتَهُ لِمَنْ قَتَلَهُ، فَإِنَّمَا لَهُ مِنْهَا ثُلُثُهَا، إنَّمَا هُوَ مَالٌ يُوصِي بِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute