[مَسْأَلَة حُكْم الْقَاضِي لَا يَحِلّ حراما وَلَا يحرم حلالا]
مَسْأَلَةٌ: وَحُكْمُ الْقَاضِي لَا يُحِلُّ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَ قَضَائِهِ، وَلَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ حَلَالًا قَبْلَ قَضَائِهِ، إنَّمَا الْقَاضِي مُنَفِّذٌ عَلَى الْمُمْتَنِعِ فَقَطْ - لَا مَزِيَّةَ لَهُ سِوَى هَذَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أَنَّ امْرَأً رَشَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا لَهُ بِزُورٍ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ، وَأَعْتَقَ أَمَتَهُ فُلَانَةَ - وَهُمَا كَاذِبَانِ مُتَعَمِّدَانِ - وَأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَضِيَتَا بِفُلَانٍ زَوْجًا، فَقَضَى الْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ وَطْءَ تَيْنِكَ الْمَرْأَتَيْنِ: حَلَالٌ لِلْفَاسِقِ الَّذِي شَهِدُوا لَهُ بِالزُّورِ، وَحَرَامٌ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ أَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ بِرِضَاهَا - وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَرْضَهُ قَطُّ، وَلَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ أَبُوهَا - فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، فَوَطْؤُهُ لَهَا حَلَالٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا قَبْلَهُ أَتَى بِهَذِهِ الطَّوَامِّ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَا زُورٍ فِي أُمِّهِ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِهِ زَوْجًا، أَوْ عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ؟ وَمَا عُلِمَ مُسْلِمٌ قَطُّ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ وَأَظُنُّهُ صَادِقًا فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا» فَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَضَاؤُهُ لَا يُحِلُّ لِأَحَدٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامًا فَكَيْفَ الْقَوْلُ فِي قَضَاءِ أَحَدٍ بَعْدَهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْخِذْلَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute