عَلَيْهِ الْبَيَانُ، حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْمَسْحُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا، وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: امْسَحْ مَا دَامَ يُسَمَّى خُفًّا، وَهَلْ كَانَتْ خِفَافُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إلَّا مُشَقَّقَةً مُخَرَّقَةً مُمَزَّقَةً؟ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة كَانَ الْخُفَّانِ مَقْطُوعَيْنِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ]
٢١٧ - مَسْأَلَةٌ:
فَإِنْ كَانَ الْخُفَّانِ مَقْطُوعَيْنِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَالْمَسْحُ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَمْسَحُ الْمُحْرِمُ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ «صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمْرُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ» ، وَلَوْ كَانَ هَهُنَا حَدٌّ مَحْدُودٌ لَمَا أَهْمَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَغْفَلَهُ فَوَجَبَ أَنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُفٍّ أَوْ جَوْرَبٍ أَوْ لُبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فَالْمَسْحُ عَلَيْهِ جَائِزٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمَسْحَ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الرِّجْلَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ.
وَبِذَلِكَ الدَّلِيلِ يَبْطُلُ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَا سِيَّمَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَظْهَرُ مِنْهُمَا مِقْدَارُ أُصْبُعَيْنِ مِنْ كُلِّ خُفٍّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ ظَهَرَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ كُلِّ قَدَمٍ فَوْقَ الْخُفِّ مِقْدَارُ أُصْبُعَيْنِ فَالْمَسْحُ جَائِزٌ وَإِلَّا فَلَا.
وَكَذَلِكَ يُلْزِمُ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا: إنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَوْقَ الْخُفِّ يَسِيرًا جَازَ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَمْ يَجُزْ، وَمَا نَدْرِي عَلَامَ بَنَوْا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا نَصَّ وَلَا قِيَاسَ وَلَا اتِّبَاعَ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَحُكْمُ الرِّجْلَيْنِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ الْمَسْحُ فَقَطْ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، فَلَا مَعْنَى لِزِيَادَةِ الْغُسْلِ عَلَى ذَلِكَ.
[مَسْأَلَةٌ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ]
٢١٨ - مَسْأَلَةٌ:
وَمَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ أَوْ جَوْرَبَيْهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنَّ فَرْضَهُ أَنْ يَخْلَعَ الْآخَرَ إنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ وَلَا بُدَّ، وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يَغْسِلُ الرِّجْلَ الْمَكْشُوفَةَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْأُخْرَى الْمَسْتُورَةِ.
وَرَوَى الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْهُ،